ولما كان هذا ربما سبباً لأن يظن ظان أنهم غير مقدور عليهم في غير هذه الحالة بغير هذا النوع أخبر أنهم في قبضته، وإنما جعل حالهم هذا فتنة لمن أراد من عباده، فقال معبراً باللام التي يعبر بها غالباً عن النافع تهكماً بهم :﴿ولهم عذاب﴾ أي في الدنيا بهذا وبغيره، وفي الآخرة يوم الجمع الأكبر ﴿واصب*﴾ أي دائم ممرض موجع كثير الإيجاع مواظب على ذلك ثابت عليه وإن افترق الدوامان في الاتصال والعظم والشدة والألم.
ولما ثبت بهذا حراسة القرآن بقدرة الملك الديان عن لبس الجان، وكان بعضهم مع هذا يسمع في بعض الأحايين ما أراد الله أن يسمعه ليجعله فتنة لمن أراد من عباده مع تميز القرآن بالإعجاز، استثنى من فاعل ﴿الخطفة﴾ أي اختلس الكلمة أو أكثر، مرة من المرات منهم، ودل على قوة انقضاض الكواكب في أثره بالهمزة في قوله :﴿فأتبعه﴾ مع تعديه بدونها، أي تبعه بغاية ما يكون من السرعة حتى كأنه يسوق نفسه ويتبعها له كأن الله سبحانه وعز شأنه هيأها لئلا تنقض إلا في أثر من سمع منهم حين سماعه سواء لا يتخلف ﴿شهاب﴾ أي شعلة النار من الكوكب أو غيره ﴿ثاقب*﴾ أي يثقب ما صادفه من جني وغيره وإن كان الجني من نار فإنه ليس ناراً خالصة، وعلى التنزل فربما كان الشيء الواحد أنواعاً بعضها أقوى من بعض، فيؤثر أقواه في أضعفه كالحديد، وتارة يخطئ الجني وتارة يصيبه، وإذا أصابه فتارة يحرقه فيتلفه وتارة يضعفه.
ولما كان المقصود من هذا الكتاب الأعظم بيان الأصول الأربعة : التوحيد والنبوة والمعاد وإثبات القضاء والقدر، ودل سبحانه بهذه المذكورات على وجوده وكمال علمه
٢٩٤


الصفحة التالية
Icon