وتمام قدرته على الأفعال الهائلة وبديع حكمته اللازم منه إثبات وحدانيته تفصيلاً لبعض إجمال ﴿أو ليس الذي خلق السموات والأرض﴾ فكان ما دونها من الأفعال أولى، سبب عن ذلك لإثبات الحشر الذي أخبر به هذا القرآن الذي حرسه عن تلبيس الجان بزينة الكواكب التي أنشأ منها الشهب الثواقب قوله تهكماً بهم :﴿فاستفهم﴾ أي سلهم أن يتفتوا بأن يبينوا لك ما تسألهم عنه من إنكارهم البعث، وأصله من الفتوة وهي الكرم :﴿أهم أشد﴾ أي أقوى وأشق وأصعب ﴿خلقاً﴾ أي من جهة إحكام الصنعة وقوتها وعظمها ﴿أم من﴾ ولما كان المراد الإعلام بأنه لا شيء من الموجودات إلا وهو خلقه سبحانه، عبر بما يدل على ذلك دون ذكرنا، وليكون أعم، وحذف المفعول لأنه مفهوم، ولئلا يلبس إذا ذكر ضمير المستفتين، فقال :﴿خلقنا﴾ أي من هذه الأشياء التي عددناها من الحي وغيره من الجن الذين أعطيناهم قدرة التوصل إلى الفلك وغيرهم، وعبر بـ " من " تغليباً للعاقل من الملائكة وغيرهم مما بين السماوات والأرض.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
ولما كان الجواب قطعاً أن هذه المخلوقات أشد خلقاً منهم وأنهم هم من أضعف الخلائق خلقاً، قال دالاً على إرادة التهكم بهم في السؤال، مؤكداً إشارة إلى أن إنكارهم البعث لاستبعادهم تمييز التراب من التراب يلزم منه إنكار ابتداء الخلق على هذا الوجه :﴿إنا خلقناهم﴾ أي على عظمتنا ﴿من طين﴾ أي تراب رخو مهين ﴿لازب*﴾ أي شديد اختلاط بعضه ببعض فالتصق وضمر وتضايق وتلازم بعضه لبعض، وقل واشتد ودخل بعض التراب المنتثر من بعض، قال ابن الجوزي : قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو الطين الحر الجيد اللزق.


الصفحة التالية
Icon