ولما كان إنكارهم للبعث ولو صدر مرة واحدة في الشناعة والعظم والقباحة مثل تجديدهم للسخرية كلما سمعوا آية والمبالغة فيها لأن دلائله من الظهور والوضوح بمكان هو في غاية البعد عن الشكوك، دل على ذلك بالتعبير بالماضي فقال :﴿وقالوا﴾ أي ما هو غاية في العجب :﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا﴾ أي الذي أتانا به من أمر البعث وغيره مما شاهدناه أو أخبرنا به ﴿إلا سحراً﴾ أي خيال وأمور مموهة لا حقائق لها ﴿مبين*﴾ أي ظاهر في نفسه ومظهر لسخريته ثم خصوا البعث بالإنكار :﴿أإذ متنا﴾ وعطفوا عليه ما هو موجب عندهم لشدة الإنكار فقالوا :﴿وكنا﴾ أي كوناً هو في غاية التمكن ﴿تراباً﴾ قدموه لأنه أدل على مرادهم لأنه أبعد عن الحياة ﴿وعظاماً﴾ كأنهم جعلوا كل واحد من الموت والكون إلى الترابية المحضة والعظامية المحضة أو المختلطة منهما مانعاً من البعث، وهذا بعد اعترافهم أن ابتداء خلقهم كان من التراب مع أن هذا ظاهر جداً " لكن عقول ضلها باريها " ثم كرروا الاستفهام الإنكاري على قراءة من قرأ به زيادة في الإنكار فقالوا :﴿أإنا لمبعوثون*﴾.
ولما كان المعنى : أيثبت بعثنا، عطفوا عليه قولهم مكررين للاستفهام الإنكاري تأكيداً لزيادة استبعادهم حتى أنهم قاطعون بأنه محال فقالوا قولاً واهياً :﴿أو آباؤنا﴾ أي يثبت بعثنا وكذا وزادوا في الاستبعاد بقولهم :﴿الأولون*﴾ أى الذين طال مكثهم في الأرض تحت أطباق الثرى وانمحقت أجزاؤهم بحيث لم يبق لهم أثر ما، ومرت الدهور ولم يبعث أحد منهم يوماً من الأيام، يدلنا بعثه على ما يدعي من ذلك.
ولما بالغوا هذه المبالغات في إنكاره بعد قيام البراهين في هذه السورة وغيرها على جوازه بل وجوبه عادة، أمره بأن يجيبهم بما يقابل ذلك فقال تعالى :﴿قل نعم﴾ أي تبعثون على كل تقدير قدرتموه، وذكر حالهم بقوله :﴿وأنتم داخرون*﴾ أي مكرهون عليه صاغرون ذليلون حقيرون.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٦


الصفحة التالية
Icon