جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٨
ولما كانوا قد سلكوا في الدنيا طريق الشقاء المعنوية استحقوا أن يلزموا في القيامة سلوك طريقة الحسية، فلذلك سبب عن الأمر بحشرهم قوله تهكماً بهم وتحسيراً لهم :﴿فاهدوهم﴾ أي دلوهم دلالة لا يرتابون معها ليعرفوا - مع ما هم فيه من الإكراه على سلوكها - مآلهم، فيكون أعظم في نكدهم ؛ قال الرازي : وأصل الهداية التقدم، والعرب تسمي السابق هادياً، يقال : أقبلت هوادي الخيل أي أعناقها، والهادية : العصى - لأنها تتقدم ممكسها، ونظر فلان هدى أمره أي جهته.
ثم أشار إلى طول وقوفهم وسوء مقامهم بقوله بأداة الانتهاء :﴿إلى صراط الجحيم*﴾ أي طريق النار الشديدة التوقد الواضح الذي لا لبس عندهم بأنه يشترطهم فيؤديهم إليها، وخص هذا الأسم غعلاماً بشديد توقدها وعظيم تأججها، وبعد قعرها وضخامة غمرتها، بتراكم بعضها فوق بعض وقوة اضطرامها، وعلو شأنها واصطلاحها، وصلابة اضطرابها وتحرقها واشتمالها
٢٩٩
على داخليها وتضايقها، وفيه تهكم بهم في كونهم على غير ما كانوا عليه في الدنيا من التناصر والتعاضد.
ولما كان المقصود من تعريفهم طريق النار أولاً ازدياد الحسرة، صرح بما أفهمه حرف الغاية من طول الحبس فقال :﴿وقفوهم﴾ أي احبسوهم واقفين بعد ترويعهم بتلك الهداية التي سببها الضلال، فكانت ثمرتها الشقاوة، وإيقافهم يكون عند الصراط - نقله البغوي عن المفسرين، قال : لأن السؤال عند الصراط.
ثم علل ذلك بقوله :﴿إنهم مسؤولون*﴾ وجمع عليهم الهموم بهذه الكلمة لتذهب أوهامهم كل مذهب، فلا تبقى حسرة إلا حضرتهم، ولا مصيبة إلا علت قلوبهم فقهرتهم، فإن المكلف كله ضعف وعورة، فموقف السؤال عليه أعظم حسرة.


الصفحة التالية
Icon