قال : إن الكهانة والسحر كان عند المتقدمين نوعاً من العلم، فكان الساحر والكاهن اسمين محمودين، فلما جاء الله بالإسلام صار هذان الاسمان مذمومين عند المسلمين لما كشف لهم ما في ذلك من الشر، ثم قال : فأما العائف والقائف والزاجر فلم يكن سبيلهم كذلك - يعني كالكاهن في أنه ربما عبد، قال : وإنما كره لأنه كان يخبر بشيء غائب فكره كما كره أمر النجوم توقياً أن يكون مثل الدعوى في علم الغيب، والعائف هو الذي يعيف الطير ويزجرها ويعتبر بأسمائها وأصواتها ومساقطها ومجاريها، فإذا سمع صوت طائر أو جرى من يمينه إلى شماله أو من شماله إلى يمينه قضى في ذلك بخير أو بشر في الأمر الذي يريد أن يفعله، فإذا قضى فيه بشر تجنب ذلك الأمر، يقال : عاف يعيف - إذا فعل ذلك، ومعنى عاف أي امتنع وتجنب، يقال : عافت الإبل الماء - إذا لم تشرب، وكذلك يقال في غير الإبل الزاجر أيضاً : هو مثل العائف، يقال : يزجر أيضاً زجراً، وذلك أنه ينظر إلى الطير فيقضي فيها مثل العائف، فإذا رأى شيئاً كرهه رجع عن أمر يريد أن يشرع فيه أو حاجة يريد قضاءها، والزاجر معناه الناهي، فكأن الطير قد زجره عن ذلك الفعل، أو أن من عاف له زجره عن ذلك، ويكون المعنى الزجر أيضاً أنه إذا رأى منها شيئاً صاح بها وطردها، فكان طرده إياها زجراً لها، ومنه قوله ﷺ :"أقروا الطير على مكانتها" قلت : إنهم كانوا إذا لم يروا سانحاً ولا بارحاً نفروا الطير لينظروا إلى أيّ جهة تطير - والله أعلم، وقال أبو حاتم : والأصل في هذا انهم كانوا يزجرون الطير ثم كانوا يزجرون الظبي والثعلب، وبصوت الإنسان يستدلون بلفظه وبغير ذلك، ثم نسبت كلها إلى الطير فقيل : يتطير، أي يستدل بالطير، وروي عن الأصعمي قال : سألت ابن عون : ما الفال ؟ فقال : هو أن تكون مريضاً فتسمع : يا سالم، وتكون باغياً فتسمع يا واجد، قال : وكان ابن سيريت يكره الطيرة ويحب الفال، وفي الحديث " أصدق الطير الفال ".


الصفحة التالية
Icon