ولما أشار سبحانه بتسمية كلامهم هذا سؤالاً إلى أن مرادهم : فهل أنتم مغنون عنا شيئاً أو حاملون عنا جزءاً من العذاب ؟ وكان كأنه قيل : بم أجاب الرؤساء بعد هذا القول من الأتباع ؟ قيل :﴿قالوا بل﴾ أي لم يكن كفرهم سبباً بل :﴿لم تكونوا مؤمنين*﴾ أي عريقين في هذا الوصف بجبلاتكم فلذلك تابعتمونا فيما أمرناكم به لأنه كان في طبعكم، وهذا دليل على أن من لم يكن راسخاً في الإيمان كان منهم، ثم أكدوا هذا المعنى بقوله نافين لما أشاروا باليمين إليه :﴿وما كان﴾ أي كوناً ثابتاً ﴿لنا عليكم﴾ وأعرقوا في النفي بقولهم :﴿من سلطان﴾ أي فأكرهنا بذلك السلطان، إنما تبعتمونا باختياركم وهو معنى ﴿بل كنتم﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿قوماً﴾ أي ذوي قوة وكفاية لما تحاولونه من الأمور ﴿طاغين*﴾ أي مجاوزين لمقاديركم غالين في الكفر مسرفين في المعاصي والظلم، ولذلك أنكم خلق لا تحتاجون فيه إلى كبير تحرك ﴿فحق علينا﴾ أي كلنا نحن وأنتم بسبب ذلك، وعبروا بما يدل على ندمهم فقالوا :﴿قول ربنا﴾ أي الذي قابلنا إحسانه إلينا وتربيته لنا بالكفران، وقوله هو الحكم بالضلال لما في قلوبنا من لقابلية له والإباء للإيمان، فالحكم بالعذاب.
ولما تصوروا ما صاروا إليه من الخطأ الفاحش عن الطريق الواضح، وعلموا أن مثل ذلك لا يتركه أحد إلا بقهر قاهر فتصوروا أنه ما قسرهم عليه إلا حقوق الكلمة العليا علموا أنهم مثل ما صاروا إلى حكمها في الكفر يصيرون إلى حكمها في العذاب، فقالوا لما دهمهم من التحسر مريدين بالتأكيد قطع إطماع الأتباع عما أفهمه كلامهم من أن الرؤساء يغنون عنهم شيئاً :﴿إنا﴾ أي جميعاً ﴿لذائقون*﴾ أي ما وقع لنا به الوعيد من سوء العذاب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٦