ولما أخبر أنهم استكبروا على توحيد الإله، أتبعه الإخبار بأنهم تكلموا في رسوله ﷺ بما لا يرضاه : فقال :﴿ويقولون﴾ أي كل حين ما دلوا به على بعدهم عن الإيمان كل البعد بسوقهم لقولهم ذلك في استفهام إنكاري مؤكداً :﴿إئتا لتاركوا آلهتنا﴾ أى عبادتها، وكان تأكيد أصل الكلام للإشارة إلى أن تكذيبهم صادر منهم مع علمهم بأن كل عالم بحالهم يراهم جديرين بترك ما هم عليه لما جاء به ﷺ، ولذلك أعلم بأن ما هم عليه عناد بسوق تكذيبهم على وجه معلوم التناقض بالبديهة بقوله :﴿لشاعر مجنون*﴾ فإن الجنون لا نظام معه، والشعر يحتاج إلى عقل رصين وقصد قويم، وطبع في الوزن سليم، أو للإشارة إلى أن إنكار المؤكد إنكار لغيره بطريق الأولى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٦
ولما كان مرادهم بذلك أن كلامه باطل، فإن أكثر كلام الشاعر غلو وكذب وكلام
٣٠٨
المجنون تخليط، كان كأنه قال في جوانهم : إنه لم يجئ بشرع ولا جنون :﴿بل حياء بالحق﴾ أي الكامل في الحقية.
ولما كان ما جاء به أهلاً لكونه حقاً لأن يقبل وإن خالف جميع أهل الأرض، وكان موافقاً مع ذلك لمن تقرر صدقهم واشتهر اتباع الناس لهم، فكان أهلاً لأن يقبله هؤلاء الذين أنزلوا أنفسهم عن أوج معرفة الرجال بالحق إلى حضيض معرفة الحق على زعمهم بالرجال، فكان مآل أمرهم التقليد قال :﴿وصدق المرسلين*﴾ أي الذين علم كل ذي لب أنهم أكمل بدور أضاء الله بهم الإكوان في كل أوان، وتقدم في آخر سورة فاطر أنهم عابوا من كذبهم ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم أحد منهم ليؤمنن به فكذبوا﴾ بأن كذبوا سيدهم بهذا الكلام المتناقض.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٦


الصفحة التالية
Icon