ولما كان أهل الجنة لا يأكلون تقوتأً واحتياجاً، بل تنعماً والتذاذاً وابتهاجاً، لأن أجسامهم محكمة مخلوقة للأبد، فهي غير محتاجة إلى حفظ الصحة قال :﴿فواكه﴾ أي يتنعمون بها بما كدروا من عيشهم في الدنيا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٩
ولما كان الذي هو نعيم الجسم لا يحمد غاية الحمد إلا ما العز الذي هو غذاء الروح قال :﴿وهم مكرمون*﴾ بناه للمفعول إشارة إلى أن وجود إكرامهم من كل شيء أمر حتم لا يكون غيره أصلاً.
ولما كان الإكرام لا يتم إلا مع طيب المقام قال :﴿في جنات النعيم*﴾ أي التي لا يتصور فيها غيره.
ولما كان التلذذ لا يكمل إلا مع الأحباب، وكانت عادة الملوك الاختصاص بالمحل الأعلى، بين أنهم كلهم ملوك فقال :﴿على سرر متقابلين*﴾ أي ليس فيهم أحد وجهه إلى غير وجه الآخر على كثرة العدد.
ولما كان ذلك لا يكمل إلا بالشراب، وكان المقصود الطواف فيه، لا كونه من معين، قال :﴿يطاف﴾ بالبناء للمفعول وكأنها يدلى إليهم من جهة العلو ليكون أشرف لها وأصون، فنبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهم﴾ أي وهم فوق أسرتهم كالملوك ﴿بكأس﴾ أي إناء فيه خمر، قالوا : وإن لم يكن في الزجاجة خمر فهي قدح، ولا تسمى كأساً إلا والخمر فيها ﴿من معين*﴾ أي من خمر جارية في أنهارها، ظاهرة للعيون تنبع كما تنبع الماء لا يعالجونها بعصير، ولا يحملهم على الرفق بها والتقصير فيها نوع تقصير، قال الرازي : إنما سميت به إما من ظهروها للعين أو لشدة جريها من الإمعان في السير أو لكثرتها من المعن، وهو الكثير، وسمي الماعون لكثرة الانتفاع به، ويقال : مشرب ممعون : لا يكاد ينقطع.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٩
٣١٠