ولما كان معنى هذا : فأجبناه إجابة هي النهاية في استحقاق على الممادح من إيصاله إلى مراده من حمله وحمل من آمن به والانتقام ممن كذبه كما هي عادتنا دائماً، عطف عليه قوله :﴿ونجيناه﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿وأهله﴾ أي الذين وافقوه في الدين ﴿من كرب العظيم*﴾ وهو الأذى من الغرق ﴿وجعلنا ذريته هم﴾ أي خاصة ﴿الباقين*﴾ لأن جميع أهل الأرض غرقوا فلم يبق منهم أحد أصلاً، وأهل السفينة لم يعقب منهم أحد غير أولاده، فأثبناه على نزاهته إن كان هو الأب الثاني، فالعرب والعجم أولاد سام، والسودان أولاد حام، والترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج اولاد يافث، فكل من تبع سنته في الخير كان له مثل أجره.
ولما ذكر لأنه بارك في نسله، أعلم أنه أدام ذكره بالخير في أهله فقال :﴿وتركنا عليه﴾ أي ثناء حسناً، لكنه حذف المفعول وجعله لازماً، فصار المعنى : أوقعنا عليه
٣١٨
الترك بشيء هو من عظمته وحسن ذكره بحيث يعز وصفه ﴿في الآخرين*﴾ أي كل من تأخر عن زمانه إلى يوم الدين.
ولما كان قد كتب الله في القدم سلامته من كل سوء على كثرة الأعداء وطول الإقامة فيهم وشدة الخلاف قال تعالى مستأنفاً مادحاً :﴿سلام﴾ أي عظيم ﴿على نوح﴾ من كل حي من الجن والأنس والملائكة لسلام الله عليه.
ولما كان لسان جميع أهل الأرض في زمانه عليه السلام واحداً، فكانوا كلهم قومه، ولم يكن في زمانه نبي، فكانت نبوته قطب دائرة ذلك الوقت، فكان رسالته عامة لأهله، وكان غير الناس من الخلق لهم تبعاً، خصه في السلام بأن قال :﴿في العالمين﴾ أي مذكور فيهم كلهم لفظاً ومعنى يسلم عليه دائماً إلى أن تقوم الساعة، وخصوصية نبينا ﷺ بأنه أرسل إلى جميع الخلق مع اختلاف الألسنة ومع استمرار الرسالة أبد الآباد، وكون شريعته ناسخة غير منسوخة، وكون جميع الخلق في القيامة تحت لوائه، فهناك يظهر تمام ما أوتيه من عموم البعثة إلى ما ظهر منه في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon