ولما كان التقدير : فعلنا به ذلك لإحسانه، وكان الضالون ينكرون أن تنجو الدعاء إلى الله وأتباعهم منهم، أخبر في سياق التأكيد أنه يفعل بكل محسن ما فعل به فقال ﴿إنا﴾ أي على عظمتنا ﴿كذلك﴾ أي مثل ذلك الجزاء بالذكر الحسن والنجاة من كل سوء ﴿نجزي المحسنين*﴾ أي الذين يتجردون من الظلمات النفسانية إلى الأنوار الملكية بحيث لا يغفلون عن المعبود، ولا ينفكون لحظة عن الشهود.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٨
ولما أفهمت هذه الجملة - ولا بد - إحسانه إلى المحسن، علل ما أفمهته بقوله : مؤكداً إظهاراً للإقبال عليه بأن ذكره مما يرغب فيه، وتكذيباً لمن كذبه :﴿إنه من عبادنا﴾ أي الذين هم أهل لأن نضيفهم إلى مقام عظمتنا ﴿المؤمنين*﴾ أي الراسخين في هذا الوصف، المتمكنين فيه، فعلم أن الإيمان هو المراد الأقصى من الإنسان لأنه علل الإنجاء بالإحسان والإحسان بالبيان، ولما أفهم تخصيص ذريته بالبقاء إهلاك غيرهم، وقدم ما هو أهل له من مدحه اهتماماً به وترغيباً في مثله، أخبر عن أعدائه بأنه أوقع بهم لأنهم لم يتحلوا بما كان سبب سعادته من الإيمان بقوله : مشيراً إلى العظمة التي أوجدها سبحانه في إغراقهم بأداة التراخي :﴿ثم اغرقنا﴾ أي بما لنا من العظمة التي لا يقوم لها شيء ﴿الآخرين*﴾ أي الذي غايروه في الأقوال والأفعال فاستحقوا أضداد أفعالنا معه وهو أهل الأرض كلهم غير أهل السفينة وكلهم قومه كما هو ظاهر الآيات إذا تؤمل تعبيرها عن الدعوة والإغراق ودعائه عليه السلام عليهم، وظاهر ما رواه الشيخان وغيرهما عن أنس رضي الله عنه في حديث الشفاعة أن الناس يقولون "ائتوا نوحاً أول
٣١٩