ولما فهموا عنه ظاهر قوله، وظنوا فيه ما يظهر من حاله، ولكنهم لم يسعهم لعظمته فيهم إلا التسليم، تركوه فقال تعالى مسبباً عن قوله مشيراً إلى استبادهم مرضه بصيغة التفعل :﴿فتولوا﴾ أي عالجوا أنفسهم وكلفوها أن انصرفوا ﴿عنه﴾ ألى محل اجتماعهم وإقامة عيدهم وأكد المعنى ونص عليه بقوله :﴿مدبرين*﴾ أي إلى معبدهم فخلا له الوقت من رقيب ﴿فراغ﴾ أي ذهب في خفية برشاقة وخفة، ونشاط وهمة، قال البيضاوي : وأصله الميل بحيلة ﴿إلى آلهتهم﴾ أي أصنامهم التي زعموها آلهة، وقد وضعوا عندها طعاماً، فخاطبها مخاطبة من يعقل لجعلهم إياها بذلك في عداد من يعقل
٣٢٣
﴿فقال﴾ منكراً عليها متهكماً بها ظاهراً وموبخاً لقومه حقيقة :﴿ألا تأكلون*﴾ ثم زاد في إظهار الحق والاستهزاء بانحطاطها عن رتبة عابديها فقال :﴿ما﴾ أي أيّ شيء حصل ﴿لكم﴾ في أنكم ﴿لا تنطقون*﴾.
ولما أخبر تعالى أنه أظهر ما يعرفه باطناً من الحجة فقال :﴿فراغ﴾ أي سبب عن إقامته الحجة أنه أقبل مستعلياً ﴿عليهم﴾ بغاية النشاط والخفة والرشاقة يضربهم ﴿ضربا باليمين*﴾ أي بغاية القوة، وجعل السياق للمصدر إشارة إلى قوة الهمة بحيث صار كله ضرباً.
ولما تسبب عن ذلك أنهم لما علموا بكسرها ظنوا فيه لما كانوا يسمعونه منه من ذمها وحلفه بأنه ليكيدها فأتوه، أخبر عن ذلك بقوله مسبباً :﴿فأقبلوا﴾ ودل على أنه من مكان بعيد بقوله :﴿إليه يزفون*﴾ أي يسرعون، وقراءة حمزة بالبناء للمفعول أدل على شدة الإسراع لدلاتها على أنهم جاؤوا على حالة كان حاملاً يحملهم فيها على الإسراع وقاهراً يقهرهم عليه من شدة ما في نفوسهم من الوجد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٢