ولما كان الأنبياء عليهم السلام أشفق الناس وأنصحهم، أحب أن يرى ما عنده، فإن كان على ما يحب سر وثبته وإلا سعى في جعله على ما يحب فيلقى البلاء وهو أهون عليه، ويكون ذلك أعظم لأجره لتمام انقياده، ولتكون المشاورة سنة، فإنه " ما ندم من استشار " سبب عن ذلك قوله :﴿فانظر﴾ بعين بصيرتك ﴿ماذا﴾ أي ما الذي ﴿ترى﴾ أي في هذه الرؤيا، فهو اختبار لصبره، لا مؤامرة له ﴿قال﴾ تصديقاً لثناء الله عليه بالحلم :﴿يا أبت﴾ تأدباً معه بما دل على التعظيم والتوفير ﴿افعل ما تؤمر﴾ أي كل شيء وقع لك به أمر من الله تعالى ويتجدد لك به أمر منه سبحانه لأني لا أتهمك في شفقتك وحسن نظرك، ولا أتهم الله في قضائه، والقصة دليل على وقوع الأمر بالممتنع لغيره ولأكثر الأوامر، وقد تقدم ذلك في البقرة عند ﴿ءأنذرتهم أم لم تنذرهم﴾ [البقرة : ٦].
٣٢٧
ولما علم طاعته، تشوف السامع إلى استسلامه وصبره، فاستأنف قوله :﴿ستجدني﴾ أي بوعد جازم لا تردد فيه صادق كما أخبر الله تعالى عنه، لا خلف فيه، وكان صادق الوعد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٧
ولما كان من أخلاق الكمل عدم القطع في المستقبلات لما يعلمون من قدرة الله تعالى على نقض العزائم بالحيلولة بين المرء وقبله قال :﴿إن شاء الله﴾ أي الذي اختص بالإحاطة بصفات الكمال ؛ وأكد وعده بهذا الأمر الذي لا يكاد يصدق مثله بقوله :﴿من الصابرين﴾ أي العريقين في الصبر البالغين فيه حد النهاية، وهو من أعظم ما أريد بقوله ﴿وكان صادق الوعد﴾ [مريم : ٥٤].
ولو بيد الحبيب سقيت سماً لكان السم من يده يطيب


الصفحة التالية
Icon