وجعل هذا الأمر العظيم في المنام دلالة على صدق أحوال الأنبياء نوماً ويقظة، وصدق عزائمهم وانقيادهم لجميع الأوامر في جميع الأحوال، وروي أن الشيطان وسوس له في ذبحه فعرفه فرماه بسبع حصيات فصار ذلك شريعة في الجمار، ومن ألطف ما في ذلك أنهم لما كانوا في نهاية التجرد عن علائق الشواغل جعلت أفعالهم شعائر وشرائع لعبادة الحج التي روحها التجرد للوفود إلى الله تعالى.
ولما وثق منه، بادر إلى ما أمر به، ودل على قرب زمنه من زمن هذا القول بالفاء فقال :﴿فلما أسلما﴾ أي ألقيا بالفعل على غاية الإخلاص حين المباشرة بجميع قواهما في يد الأمر، ولم يكن عند أحد منهما شيء من إباء ولا امتناع ولا حديث نفس في شيء من ذلك ﴿وتلّه﴾ أي صرعه إبراهيم عليهما السلام صرعاً جيداً سريعاً مع غاية الرضا منه والمطاوعة من إسماعيل عليه السلام، ودل على السرعة باللام الواقعة موقع " على " فقال :﴿للجبين*﴾ أي أحد شقي الجبهة، وهي هيئة إضجاع ما يذبح، وهذا من قولهم : تله - إذا صرعه، وبه سمي التل من التراب، وتلك فلاناً في يدك أي دفعته سلماً، والجبين - قال في الصحاح : فوق الصدغ، وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها.
ولما كان من الواضح أن التقدير جواباً لما عالج ذبحه بعزم امضى من السنان، وجنان في ثباته أيما جنان، فمنعناه من التأثير بقدرتنا، ورددنا شفرته الماضية عن عنقه اللينة بأيدينا وقوتنا، عطف عليه قوله :﴿وناديناه﴾ وفخم هذا النداء بحرف التفسير فقال :﴿إن يا إبراهيم*﴾ ولما كان محل التوقع الثناء عليه قال :﴿قد صدقت﴾ أي تصديقاً عظيماً ﴿الرؤيا﴾ في أنك تذبحه، فإنك قد عالجت ذلك، وبدلت الوسع فيه، وفعلت ما رأيته في المنام، فما انذبح لأنك لم تر أنك ذبحته، فاكفف عن معالجة الذبح بأزيد من هذا.
ولما كان التقدير : فجزيناك على ذلك لإحسانك فوق ما تحب، وجعلناك إماماً للمتقين،
٣٢٨


الصفحة التالية
Icon