ووهبناك لسان صدق في الآخرين، وجعلنا آلك هم المصطفين، وملأنا منهم الخافقين، علله بأن ذلك سنته دائماً قديماً وحديثاً فقال ما يأتي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٧
ولما كان صلى الله عليه وسبم في همة الذبح وعزمه، فكانت تلك الهمة التي تقصر عنها رتبها السها والسماك، والعزمة التي تتضاءل دون عليّ مكانتها وسني عظمتها عوالي الأفلاك، لا تسكن عن ثورانها، ولا تبرد عن غليانها وفورانها، إلا بأمر شديد، وقول جازم أكيد، قال مؤكداً تنبيهاً على أن همته قد وصلت إلى هذا حده، وأن امتثال الأمر أيسر من الكف بعد المباشرة بالنهي :﴿إنا كذلك﴾ أي مثل هذا الجزاء العظيم ﴿نجزي المحسنين*﴾.
ولما كان جزاءه عظيماً جداً، دل على عظمه بأن علل إكرامه به بقوله معجباً ومعظماً مؤكداً تنبيهاً على أنه خارق للعادة :﴿إن هذا﴾ أي الأمر والطاعة فيه ﴿لهو البلاؤا﴾ أي الاختبار الذي يحيل ما خولط به كائناً ما كان ﴿المبين*﴾ أي الظاهر في بابه جداً المظهر لرائيه انه بلاء.
ولما قدم ما هو الأهم عن نهيه من علاجه، ومن البشارة بالجزاء، ذكر فداءه بما جعله سنة باقية يذكر بها الذكر الجميل على مر الأيام وتعاقب السنين، ولما كان المفتدى منه من كان الأسير في يده، وكان إسماعيل في يد إبراهيم عليهما السلام، وهو يعالج إتلافه، جعل تعالى نفسه المقدس فادياً لأن الفادي من أعطى الفداء، وهو ما يدفع لفكاك الأسير، وجعل إبراهيم عليه السلام مفتدى منه تشريفاً له وإن كان في الحقيقة كالآلة التي لا فعل لها، والله تعالى هو المفتدى منه حقيقة فقال :﴿وفديناه﴾ أي الذبيح عن إنفاذ ذبحه وإتمامه تشريفاً له ﴿بذبح﴾ أي بما ينبغي أن يذبح ويكون موضعاً للذبح، وهو كبش من الجنة، قيل : أنه الذي قربه هابيل فتقبله الله منه ﴿عظيم*﴾ أي في الجثة والقدر والرتبة لأنه مقبول ومستن به ومجعول ديناً إلى آخر الدهر.


الصفحة التالية
Icon