ولما كانت عادتهم الاستعجال بما يهددون به استهزاء، كلما ورد عليهم تهديد، سبب عن ذلك الإنكار عليهم على وجه تهديد آخر لهم فقال :﴿أفبعذابنا﴾ أي على ما علم من العظمة بإضافته إلينا ﴿يستعجلون﴾ أي يطلبون أن يعجل لهم فيأتيهم قبل أوانه الذي ضربناه له.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٢
ولما علم من هذا أنه لا بشرى لهم يوم حلوله، ولا قرار عند نزوله، صرح بذلك في قوله :﴿فإذا﴾ أي هددناهم وأنكرنا عليهم بسبب أنه إذا ﴿نزل بساحتهم﴾
٣٥٢
أي غلب عليها لأن ذلك شأن النازل بالشيء من غير إذن صاحبه ولا يغلب عليها إلا وقد غلب على أهلها فبرك عليهم بروكاً لا يقدرون معه على البروز إلى تلك الساحة وهي الفناء الخالي عن الأبنية كأنه متحدث القوم وموضع راحتهم في أي وقت كان بروكه من ليل أو نهار، ولكن لما كانت عادتهم الإغارة صباحاً، قال على سبيل التمثيل مشيراً بالفاء إلى أنه السبب لا غيره ﴿فساء صباح المنذرين*﴾ أي الذين هم ولقد صار من لم يتأهل لغير الإنذار فيه في غاية السوء، وهم الذين قتلهم النبي ﷺ في ذلك اليوم، ومنهم من تعلق بأستار الكعبة فلم يفده ذلك، ولكنهم كانوا قليلاً، والباقون إن كان ذلك الصباح على ما ساءهم منظره فلقد سرهم لعمر الله مخبره.
ولما كان النبي ﷺ نبي الرحمة لا يستأصل قومه بعذاب، قال دالاً على ذلك بتكرير الأمر تأكيداً للتسلية، ووعد النصرة مع ما فيه من زيادة المعنى على الأول، عاطفاً على " تولّ " الأولى :﴿وتول﴾ أي كلف نفسك الصبر عليهم في ذلك اليوم الذي ينزل بهم العذاب الثاني والإعراض ﴿عنهم حتى حين*﴾ وكذا فعل ﷺ فإنه حل بساحتهم يوم الفتح صباحاً، فلم يقدروا على مدافعة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٢