ولما كان كأنه قيل : فما حال ما يقوله ؟ قالوا جواباً واقفاً مع التقليد والعادة التي وجدوا عليها أسلافهم :﴿ما سمعنا بهذا﴾ أي الذي تذكره من الوحداينة ﴿في الملة الآخرة﴾ وتقييدهم لها يدل على أنهم عالمون به في الملة الأولى، وأنهم عارفون بأن إبراهيم عليه السلام ومن وجد من أولاده الذين هم آباؤهم إلى عمرو بن لحي كانوا بعيدين من الشرك ملازمين للتوحيد وأنه لا شبهة لهم إلا كونه سبحانه لم يغير عليهم في هذه المدد الطوال، وكانوا أيضاً يعرفون البعث ولكنهم تناسوه، ذكر ابن الفرات في تأريخه يوم حليمة من أيام العرب وقال : إن حجر بن عمرو آكل المرار سار إلى بني أسد
٣٦٠
فقتلهم وسيرهم إلى تهامة فقال عبيد بن الأبرص من أبيات :
ومنعتهم نجداً فقد حلوا على وحل تهامه أنت المليك عليهم وهم العبيد إلى القيامه
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال "إن أول من سيب السوايب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وأني رأيته يجر أمعاءه في النار ".
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال "أول من غير دين إبراهيم عليه السلام عمرو بن لحي بن قميئة ".
وروى البخاري في فتح مكة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ أخرج من البيت صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في أيديهما الأزلام فقال "قاتلهم الله! لقد علموا ما استقسما بها قط ".
فبطل ما يقال من أن أهل الفترة جهلوا جهلاً أسقط عنهم اللوم، ويؤيده ما في الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله! أين أبي! قال "في النار، فلما قفى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار ".