ولما كان هذا دالاً على أنهم ليسوا على ثقة مما جزموا به قال :﴿بل﴾ أي أنهم ليسوا جازمين بما قالوا وإن أكدوه غاية التأكيد، بل ﴿هم في شك﴾ أي تردد محيط بهم مبتدئ لهم ﴿من ذكري﴾ أي فلهذا لا يثبتون فيه على قول واحد، أي إن أحوالهم في أقوالهم وأفعالهم أحوال الشاك.
وعدل عن مظهر العظمة إلى الإفراد لأن هذا السياق للتوحيد فإلافراد أولى به وليكون نصاً على المراد بعد ذكر آلهتهم قطعاً لشبه متعنتيهم.
ولما كانوا في الحقيقة على ثقة من حقيقته وإن كان قولهم وفعلهم قول الشاك قال :﴿بل﴾ أي ليسوا في شك منه في نفس الأمر وإن كان قولهم قول من هو في شك.
ولما كانوا قد جرت لهم مصايب ومحن، وشدائد وفتن، ربما : ظنوا أنه لا يكون شيء من العذاب فوقها، نفى أن يكونوا ذاقوا شيئاً من عذابه الذي يرسله عند إرادة الانتقام، فعبر بما يفيد استغراق النفي في جميع الزمن الماضي فقال :﴿لما يذوقوا﴾ من أول أمرهم إلى الآن ﴿عذاب*﴾ أي الذي أعددته للمكذبين فهم في عزة وشقاق، ولو ذاقوه لانحلت عرى عزائمهم، وصاروا أذل شيء وأحقره ادناه وأصغره! وإطباق أهل الرسم وأكثر القراء على حذف يائه رسماً وقراءة إشارة إلى أنه العذاب الأدنى المذهب لحمية الجاهلية، وإثبات يعقوب وحده لها في الحالين إشارة إلى أنه العذاب المعد لإهلاك الأمم الطاغية لا مطلق العذاب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٩
ولما أرشد إنكارهم خصوصيته بالذكر بنفي شكهم اللازم منه إثبات أنهم على علم بانه مرسل، وأنه أحقهم بالرسالة إلى أن التقدير : أفيهم غيره من هو أهل لتلقي هذا الذكر حتى ينزل الله عليه هذا البشير النذير ﷺ، عادل به قوله :﴿أم عندهم﴾ أي
٣٦٣