خاصة دون غيرهم ﴿خزائن رحمة﴾ ولما كان إنزال الوحي إحساناً إلى المنزل عليه، عدل عن إفراد الضمير إلى صفة الإحسان المفيدة للتربية، فقال مخاطباً له ﷺ لأنه أضخم لشأنه، وأفخم لمقداره ومكانه :﴿ربك﴾ أي المحسن إليك بإنزاله ليخصوا به من شاوؤا ويمنعوا من شاؤوا ﴿أهم يقسمون رحمة ربك﴾ [الزخرف : ٣٢] ولما كان لا يصلح للربوبية إلا الغالب لكل ما سواه، المفيض على من يشاء، ما يشاء، قال :﴿العزيز الوهاب*﴾ أي الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، ويفيض على جهة التفضل ما يشاء على من يريد، وله صفة الإفاضة متكررة الآثار على الدوام، فلا معطي لما منع ولا مانع لما أعطى.
ولما سلب عنهم التصرف في الخزائن، أتبعه نفي الملك عما شاهدوا منها وهو جزء يسير جداً فقال :﴿أم لهم﴾ أي خاصة ﴿ملك السماوات والأرض﴾ ولما كان الحكم على ذلك لا يستلزم الحكم على الفضاء قال :﴿وما بينهما﴾ أي لتكون كلمتهم في هذا الكون هي النافذة ويتكلموا في الأمور الإلهية ويسندوا ما شاؤوا من الأمور الجليلة إلى من شاؤوا، ثم بين عجزهم وبكتهم وقرعهم ووبخهم بما سبب عن ذلك من قوله :﴿فليرتقوا*﴾ أي يتكفلوا الرقي أن كان لهم ذلك ﴿في الأسباب*﴾ أي الطرق الموصلة بالرسالة ليعلم أن لهم ذلك وأنه لا يسوغ لأحد أن يختص دونهم بشيء.
ولما انتفى عنهم بما مضى وعن كل من يدعون ممالأته ومناصرته عن آلهتهم وغيرها خصائص الإلهية، أنتج ذلك أنهم من جملة عباده سبحانه، فعبر عن حالهم بأعلى ما يصلون إليه من التجمع والتعاضد الذي دل عليه ما تقدم الإخبار عنه من عزتهم وشقائهم، ونفرتهم عن القبول وانطلاقهم، فقال مخبراً عن مبتدأ حذف لوضوح العلم به :﴿جند ما﴾ أي ليسوا في شيء مما مضى وإنما هم جند حقيرون من بعض جنودنا متعاونون في نجدة بعضهم لبعض، قال أبو حيان : ويجوز أن تكون " ما " صفة أريد بها التعظيم على سبيل الهزء بهم أو التحقير لأن " ما " الصفة تستعمل لهذين المعنيين.


الصفحة التالية
Icon