جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٣
وبين بعدهم من غير ما أقامهم فيه واستعملهم له من الرتب التي فرضها لهم وسفولهم عنها بقوله واصفاً لجند :﴿هنالك﴾ أي في الحضيض عن هذه المرامي العالية، وبين أنه كثيراً ما تحزب أمثالهم على الرسل فما ضروا إلا أنفسهم بقوله واصفاً بعد وصف مفرداً تحقيراً :﴿مهزوم﴾ أي له الانهزام صفة راسخة ثابتة ﴿من الأحزاب*﴾ أي الذين جرت عادتهم عزة وشقاقاً بالتحزب على الأنبياء ثم تكون عليهم الدائرة، وللرسل عليهم السلام العاقبة، فلا تكترث بهم أصلاً قال ابن برّجان : فكان أول جند مهزوم منهم جند غزوة بدر، ثم انبسط صدق الحديث على جنود كثيرة في وقائع مختلفة.
٣٦٤
ولما أوجب ذلك التشوف إلى بيان الأحزاب الماضية، وكانوا أحقر شيء بالنسبة إليه سبحانه مع شدتهم في أنفسهم، بين ذلك بالتاء الدالة على الرتبة الثانية المؤخرة، وهي رتبة التأنيث اللازم منه الضعف فقال :﴿كذبت﴾ ولما كانت نيتهم التكذيب لا إلى آخر، عدّوا مستغرقين للزمان فنزع الجار وقيل :﴿قبلهم﴾ أي مثل تكذيبهم.
ولما كان لأول المكذبين من الكثرة والقوة والاجتماع على طول الأزمان ما لم يكن لمن بعدهم، كانوا مع تقدمهم في الزمان أحق بالتقديم في هذا السياق فقال :﴿قوم نوح﴾ واستمروا في عزتهم وشقاقهم إلى أن رأوا الماء قد أخذهم، ولم يسمحوا بالإذعان ولا بالتضرع إلى نوح عليه السلام في أن يركبوا معه أو يدعو لهم فينجوا.