شيء - قاله القشيري، ففي هذا إشارة إلى النبي ﷺ بأنا متى شئنا جعلنا قومك معك في التسخير هكذا، فلا تيأس منهم على شدة نفرتهم وقوة سماجتهم وغرتهم، فإنا جعلناهم كذلك لتروض نفسك بهم وتزداد بالصبر عليهم جلالاً، وعلواً ورفعة وكمالاً - إلى غير ذلك من الحكم التي لا تسعها العقول، ولا تيأس من لينهم لك ورجوعهم إليك فإنهم لا يعدون أن يكونوا كالجبال قوة وصلابة، أو الطير نفرة وطيشاً وخفة، فمتى شئنا جعلناهم لك مثل ما جعلنا الجبال والطير مع داود عليه السلام، بل أمرهم أيسر وشأنهم أهون.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧١
ولما كان هذا دالاً على الملك من حيث أنه التصرف في الأشياء العظيمة قسراً، فكان كأنه قيل : كل ذلك إثباتاً لنبوته وتعظيماً لملكه، قال :﴿وشددنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿ملكه﴾ بغير ذلك مما يحتاج إليه الملك، قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان أشد ملوك الأرض سلطاناً.
ولما كان أعظم المثبتات للملك المعرفة قال :﴿وآتيناه﴾ أي بعظمتنا ﴿الحكمة﴾ أي النبوة التي ينشأ عنها العلم بالأشياء على ما هي عليه، ووضع الأشياء في أحكم مواضعها، فالحكمة العمل بالعلم.
ولما كان تمامه بقطع النزاع قال :﴿وفصل الخطاب*﴾ أي ومعرفة الفرق بيما يلتبس في كلام المخاطبين له من غير كبير روية في ذلك، بل يفرق بديهة بين المتشابهات بحيث لا يدع لبساً يمكن أن يكون معه نزاع لغير معاند وكسوناه عزاً وهيبة ووقاراً يمنع أن يجترئ أحد على العناد في شيء من أمره بعد ذلك البيان الذي فصل بين المتشابهات، وميز بين المشكلات الغامضات، وإذا تكلم وقف على المفاصل، فيبين من سرده للحديث معانيه، ويضع الشيء في أحكم مبانيه.