ولما كان الحال قد يشكل في الإخبار عم المغفرة لو عبر بضمير الغائب لإيهام أن ربه غير المتكلم، وكان الغفران لا يحسن إلا مع القدرة، عاد إلى مظهر العظمة إثباتاً للكمال ونفياً للنقص : فقال :﴿فغفرنا﴾ أي بسبب ذلك وفي أثره على عظمتنا وتمام قدرتنا غفراً يناسب مقداره ما لنا من العظمة ﴿له ذلك﴾ أي الوقوع في الحديث عن إسناد الظلم إلى أحد بدون سماع لكلامه، وكان النبي ﷺ اشترط على ربه سبحانه لأجل هذه القصة أن كل من سبه أو دعا عليه وليس أهلاً لذلك أن يكون ذلك له صلاة وبركة ورحمة، والحاصل أن هذه
٣٧٦
القضية لتدريب النبي ﷺ على الصبر على قومه، والثاني فإن هذه السورة على ما روي عن جابر بن زيد من أوائل ما أنزل بمكة، وعلى هذا دل الحديث السابق عن ابن عباس رضي الله عنهما في شكوى المشركين منه ﷺ إلى عمه أبي طالب الوقوع في آلهتهم فإنه كان في أوائل الأمر، فإن النبي ﷺ أول ما دعاهم لم يؤمر بذكر آلهتهم فلم يجيبوه ولم يبعدوا عن كل البعد، ثم أمره الله بذكر ألهتهم فناكروه حينئذ وباعدوه، وتقدموا ذلك بالشكوى إلى أبي طالب مرة بعد أخرى ليرده عنه، فكانت هذه الدعوى تدريباً لداود عليه السلام في الأحكام، وذكرها للنبي ﷺ تدريباً له على الأناة في جميع أموره على الداوم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٣


الصفحة التالية
Icon