ولما ثبت بما ذكر من أول السورة إلى هنا ما ذكر في هذا الذكر من البراهين التي لا يأبها إلا مدخول الفكر مخالط العقل، ثبت أنه ذو الذكر والشرف الأعظم فقال تعالى منبهاً على ذلك تنبيهاً على أنه القانون الذي يعرف به الصلاح ليتبع والفساد ليتجنب مخبراً على مبتدأ تقديره هو :﴿كتاب﴾ أي له من العظمة ما لا يحاط به، ووصفه بقوله :﴿أنزلته﴾ أي بما من العظمة ﴿إليك﴾ وذلك من عظمته لأنك اعظم الخلق، ثم أخبر عن مبتدأ آخر مبين لما قبله على طريق الاستئناف فقال :﴿مبارك﴾ أي دائم الخير كثير النفع ثابت كل ما فيه ثباتاً لا يزول أبداً ولا ينسخ كتاب ولا شيء.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٩
ولما ذكر ما له من العظمة إشارة وعبارة، ذكر غاية إنزاله المأمور بها فقال :﴿ليدبروا﴾ بالفوقانية وتخفيف الدال بالخطاب في قراءة أبي جعفر مشرفاً للأمة بضمهم بالخطاب إلى حضرته الشماء ﷺ، ولافتاً للقول في قراءة الجماعة بالغيب وتشديد الدال إلى من يحتاج إلى التنبيه على العلل، لما له من الشواغل الموقعة في الخلل، وأما هو ﷺ ففي غاية الإتعام للنظر، والتدبر بأجلى الفكر، من حين الإنزال، لعلمه الإنزال بحيث إنه من شدة إتعابه لنفسه الشريفة بالتخفيف وضمن له تعالى جمعه وقرآنه
٣٨١
﴿آياته﴾ أي لينظروا في عواقب كل آية وتوصل إليه من المعاني الباطنة التي أشعر بها طول التأمل في الظاهر، فمن رضي بالاقتصار على حفظ حروفه كان كمن له لقحة درور لا يحلبها، ومهرة نتوج لا يستولدها، وكان جديراً بأن يضع حدوده فيخسر خسراناً مبيناً.


الصفحة التالية
Icon