ولما اجتعموا بالعطف أو البدل وصفهم بقوله :﴿أولي الأيدي﴾ أي القوة الشديدة والأعمال السديدة لأن الأيدي أعظم آلات ذلك ﴿والأبصار*﴾ أي الحواس الظاهرة والباطنة التي هي حقيقة بأن تذكر وتمدح بها لقوة إدراكها وعظمة نفوذها فيما هو جدير بأن يراعى من جلال الله ومراقبته في الحركات والسكنات سراً وعلناً، وعبر عن ذلك بالأبصار لأنها أقوى مبادئه، ومن لم يكن مثلهم كان مسلوب القوة والعقل، فلم يكن له عقل فكان عدماً، فهو أعظم توبيخ لمن رزقه الله قوة وعقلاً، ثم لا يصرفه في عبادة الله والمجاهدة فيه سبحانه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٩
ولما اشتد تشوف السامع لما استحقوا به هذا الذكر، قال مؤكداً إشارة إلى محبته سبحانه لمدحهم ورداً على من ينسب إليهم أو إلى أحد منهم ما لا يليق كما كذبه اليهود فيما بدلوه من التوارة في حق إسحاق عليه السلام في بعض المواضع معدياً للفعل بالهمزة إشارة إلى أنه جذبهم من العوائق إليه جذبة واحدة هي في غاية السرعة :﴿إنا اخلصناهم﴾ أي لنا إخلاصاً يليق بعظمتنا التي لا تدانيها عظمة ﴿بخالصة﴾ أي أعمال وأحوال ومقامات وبلايا ومحن هي سالمة عن شوب ما، فصاروا عليها في غاية الخلوص.
ولما كان سبب الإخلاص تذكر يوم الدين وما يبرز فيه من صفات الجلال والجمال وينكشف فيه من الأمور التي لا توصف عظمتها، بينها بقوله :﴿ذكرى الدار﴾ أي تذكرهم تلك الخالصة تذكيراً عظيماً لا يغيب عنهم أصلاً الدار التي لا يستحق غيرها أن يسمى داراً بوجه بحيث نسوا بذكر هذا الغائب الثابت الشاهد من دار الزائل عكس ما عليه العامة، وإضافة نافع وأبي جعفر وهشام ابن عمر بخلاف عنه لخالصة مؤيد لما قلت من أن ذكرى بيان لأنها إضافة الصفة إلى الموصوف، والمعنى أنهم لا يعلمون شيئاً
٣٩٢
إلا وهو مقرب للآخرة، فالمعنى أن ذكرهم لها خالص عن سواه لا يشاركه فيه شيء ولا يشوبه شوب أصلاً.


الصفحة التالية
Icon