ولما دلت هذه الجملة على هذا المدح البليغ، عطف عليه ما يلازم الإخلاص فقال مؤكداً لمثل ما تقدم من التنبيه على أنهم ممن يغتبط بمدحهم، ورداً على من ربما ظن خلاف ذلك بكثرة مصائبهم في الدنيا :﴿وإنهم عندنا﴾ أي على ما لنا من العظمة والخبرة ﴿لمن المصطفين﴾ المبالغ في تصفيتهم مبالغة كأنها بعلاج ﴿الأخيار*﴾ الذين كل واحد منهم بخير بليغ في الخير، وإصابتنا إياهم بالمصائب دليل ذلك عكسه كما يظنه من طمس قلبه، والآية من الاحتباك : ذكر ﴿أخلصناهم﴾ أولاً دليل على ﴿اصطفيانهم﴾ ثانياً، و﴿المصطفين﴾ دليلاً على ﴿المخلصين﴾ أولاً، وسر ذلك أن الإخلاص يلزم منه الاصطفاء، لا سيما إذا أسنده إليه بخلاف العكس بدليل ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظلم لنفسه﴾ [فاطر : ٣٢].
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
ولما أتم الأمر بذكر الخليل وابنه عليهما السلام الذي لم يخرج من كنفه قط ونافلته المبشر به للتأسي بهم في صبرهم الدين وإن خالفهم، أتبعه ولده الذي أمر بالتجرد عنه مرة بالإسكان عند البيت الحرام ليصير أصلاً برأسه في أشرف البقاع، ومرة بالأمر بذبحه في تلك المشاعر الكرام، فصار ما أضيف إليه من الأحوال والأفعال من المناسك العظام عليه الصلاة والسلام، وأفرده بالذكر دلالة على أنه أصل عظيم برأسه من أصول الأئمة الأعلام، فقال :﴿واذكر إسماعيل﴾ أي أباك وما صبر عليه من البلاء بالغربة والانفراد والوحدة والإشراف على الموت في الله غير مرة وما صار إليه بعد ذلك البلاء من الفرج والرئاسة والذكر في هذه البلدة ﴿واليسع﴾ أي الذي استخلفه إلياس عليه السلام على بني إسرائيل فجمعهم الله عليه بعد ذلك الخلاف الشديد الذي كان منهم لإلياس عليه السلام ﴿وذا الكفل﴾ أي النصيب العظيم بالوفاء بما يكفله من كل أمر عليّ، وعمل صالح زكي.