ولما تقدم وصف من قبل إبراهيم عيله السلام بالأوبة وخصوا بالتصريح، لما كان لهم من الشواغل عنها بكل من محنة السراء ومحنة الضراء وكذلك بالعبودية سواء، وكان الأمر بالذكر مع حذف الوصف المذكور لأجله والإشارة إليه بالتلويح ولا مانع من ذكره - دالاً على غاية المدح له لذهاب الوهم في تطلبه كل مذهب، قال معمّماً للوصف بالعبودية والأوبة بها جميع المذكورين، عاطفاً بما أرشد إليه العطف على غير مذكور على ما تقديره : غنهم أوابون، ليكون تعليلاً لذكرهم بما علل به ذكر أو مذكور فيهم :﴿وكل﴾ أي من هؤلاء المذكورين في هذه السورة من الأنبياء قائمون بحق
٣٩٣
العبودية فهم من خيار عبادنا من هؤلاء الثلاثة ومن قبلهم ﴿من الأخيار*﴾ أي كما أن كلاًّ منهم أواب بالعراقة في وصف الصبر - كما مضى في الأنبياء، وبغير ذلك من كل خير على أن الصبر - جامع لجميع الطريق، فهم الذين يجب الاقتداء بهم في الصبر على الدين ولزوم طريق المتقين.
ولما أتم سبحانه ما أراد من ذكر هؤلاء الأصفياء عليهم السلام الذين عافاهم بصبرهم وعافى من دعوهم، فجعلهم سبحانه سبب الفلاح ولم يجعلهم سبباً للهلاك، قال مؤكداً لشرفهم وشرف ما ذكروا به، حاثاً على إدامة تذكره وتأمله وتدبره للعمل به، مبيناً ما لهم في الآخرة على ما ذكر من أعمالهم وما لمن نكب عن طريقهم على سبيل التفصيل :﴿وهذا﴾ أي ما تلوناه عليك من أمورهم وأمور غيرهم ﴿ذكر﴾ أي شرف في الدنيا وموعظة من ذكر القرآن ذي الذكر، ثم عطف على قوله ﴿إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد﴾ ما لأضدادهم، فقال مؤكداً رداً على من ينكر ذلك من كفارة العرب وغيرهم :﴿وإن﴾ ويجوز - وهو أحسن - أن يكون معطوفاً على " هذا " وتقديره : هذا ذكر للصابرين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢


الصفحة التالية
Icon