المؤمنين ﴿كنا نعدهم﴾ أي في دار الدنيا ﴿من الأشرار*﴾ أي الأرذال الذين لا خير فيهم بأنهم قد قطعوا الرحم، وفرقوا بين العشيرة وأفسدوا ذات البين، وغيروا الدين بكونهم لا يزالون يخالفون الناس في أقوالهم وأفعالهم، مع ما كانوا فيه من الضعف والذل والهوان وسوء الحال في الدنيا، فيظن أهلها نقص حظهم منه وكثرة مصائبهم فيها لسوء حالهم عند الله وما دروا أنه تعالى يحمي أحباءه منها كما يحي الإنسان عليله الطعام والشراب من يرد به خيراً يصب منه.
ولما كانوا يسخرون من المؤمنين ويستهزئون بهم، وهم ليسوا موضعاً لذلك، بل حالهم في جِدهم وجَدهم في غاية البعد عن ذلك، قالوا مستفهمين، أما على قراءة الحرمين وابن عامر وعاصم فتحقيقاً، وأما على قراءة غيرهم فتقديراً :﴿اتخذناهم﴾ أي كلفنا أنفسنا وعالجناها في أخذهم ﴿سخرياً﴾ أي نسخر منهم ونستهزئ بهم - على قراءة الكسر، ونسخرهم أي نستخدمهم على قراءة الضم، وهم ليسوا أهلاً لذلك، بل كانوا خيراً منا فلم يدخلوا هنا لعدم شرارتهم، وكأنهم إلى تجويز كونهم في النار معهم ومنعهم من رؤيتهم أميل، فدلوا على ذلك بتأنيث الفعل ناسبين خفاءهم عنهم إلى رخاوة في أبصارهم على قوتها في ذلك الحين فقالوا :﴿أم زاغت﴾ أي مالت متجاوزة ﴿عنهم﴾.
ولما كان تعالى يعيد الخلق في القيامة على غاية الإحكام في أبدانهم ومعانيها فتكون أبصارهم أحد ما يمكن أن تكون وأنفذه ﴿اسمع بهم وابصر يوم يأتوننا فبصرك اليوم حديد﴾ عدوا أبصارهم في الدنيا بالنسبة إليها عدماً، فلذلك عرفوا قولهم :﴿الأبصار*﴾ أي منا التي لا أبصار في الحقيقة سواها فلم نرها وهم فينا ومعنا في النار ولكن حجبهم عنا بعض أوديتها وجبالها ولهبها.