أيهما كان، ولا تسأل عن موضع أحدهما كأنك قلت : أي ذلك كان - انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٤
ولما صدعه سبحانه بهذا الإنكار، دل على إبلاسه بقول مستأنفاً :﴿قال﴾ مدعياً لأنه من العالين :﴿أنا خير منه﴾ أي فلا حكمة في أمري بالسجود له، ثم بين ما ادعاه بقوله :﴿خلقتني من نار﴾ أي وهي في غاية القوة والإشراق ﴿وخلقته من طين*﴾ أي وهو في غاية الكدورة والضعف، واستؤنف بيان ما حصل التشوف إليه من علم جوابه بقوله معرضاً عن القدح في جوابه لظهور سقوطه بأن المخلوق المربوب لا اعتراض له على ربه بوجه :﴿قال فاخرج﴾ أي بسبب تكبرك ونسبتك الحكيم الذي لا اعتراض عليه
٤٠٥
إلى الجور ﴿منها﴾ أي من الجنة محل الطهر عن الأدواء الظاهرة والباطنة، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لأجل ادعاء أنه أهل لأقرب القرب :﴿فإنك رجيم*﴾ أي مستحق للطرد والرجم وهو الرمي بالحجارة الذي هو للمبالغة في الطرد.
ولما كان الطرد قد يكون في وقت يسير، بين أن دائم بقوله، مؤكداً إشارة إلى الإعلام بما في نفسه من مزيد الكبر :﴿وإن عليك﴾ أي خاصة.
ولما كان السياق هنا للتكلم في غير مظهر العظمة لم يأت بلام الكلام بخلاف الحجر فقال :﴿لعنتي﴾ أي إبعادي مع الطرد والخزي والهوان والذل مستعل ذلك عليك دائماً قاهراً لك لا تقدر على الانفكاك عنه بوجه، وأما غيرك فلا يتعين للعن بل يكون بين الرجاء والخوف لا علم للخلائق بأنه مقطوع بلعنة ما دام حياً إلا من أخبر عنه نبي من الأنبياء بذلك، ثم غيى هذا اللعن بقوهب :﴿إلى يوم الدين*﴾ أي فإذا جاء ذلك اليوم أخذ في المجازاة لكل عامل بما عمل ولم يبق لمذنب وقت يتداركفيه ما فاته، وحينئذ يعلم أهل الاستحقاق للعن كلهم، ولم يبق علم ذلك خاصاً بإبليس، بل يقع العلم بجميع أهل اللعنة، فالغاية لعلم الاختصاص باللعن لا للعن.


الصفحة التالية
Icon