ولما كان من العجب العجيب فعلهم، هذا بين ما وجهوا به فعلهم ليكون آية بينة في أنه لا هدى لهم فقال :﴿ما﴾ أي قائلين لمن أخلصوا له الدين إذا أنكروا عليهم أن يتخذوا من دونه ولياً : ما ﴿نعبدهم﴾ لشيء من الأشياء ﴿إلا ليقربونا﴾ ونبه سبحانه على بعدهم عن الصواب بالتعبير بالاسم الأعظم مع حرف الغاية فقال :﴿إلى الله﴾ الذي له معاقد العز ومجامع العظمة، تقريباً عظيماً على وجه التدريج ويزلفونا إليه ﴿زلفى﴾ أي تقريباً حسناً سهلاً بهجاً زائداً نامياً متعالياً، قال القشيري : ولم يقولوا هذا من قبل الله ولا بإذنه، وإنما حكموا بذلك من ذات أنفسهم، فرد الله عليهم، وفي هذا إشارة إلى ما يفعله العبد من القرب بنشاط نفسه من غير أن يقتضيه حكم الوقت، فكل ذلك اتباع هوى - انتهى - والاية من الاحتباك : ذكر فعل التقريب أولاً دليلاً على فعل الزلف ثانياً، واسم الزلف ثانياً دليلاً على الاسم من التقريب أولاً، وسره أنهم أرادوا بهذا الاعتذار المسكت عن قبيح صنيعهم، فأتى سبحانه في حكايته عنهم بالتأكيد على أبلغ وجه لأن الدلالة على المعنى بلفظين وأوضحهما، وقد خسر لعمري غاية الخسارة قوم تمذهبوا بأقبح المذاهب وجعلوا عذرهم هذه الآية التي ذم الله المعتذر بها، وعلى ذلك فقد راج اعتذارهم بها على كثير من العقول، وهم أهل الاتحاد الذين لا أسخف من عقولهم ولا أجمد من أذهانهم.
ولما كان إنما محط دينهم الهوى، وكان كل من تبع الهوى لا ينفك عن الاضطراب في نفسه، فكيف إذا كان معه غيره فكيف إذا كانوا كثيراً فيكثر الخلاف والنزاع وإن لم يحصل ذلك بالفعل كان بالقوة، ولذلك كلن لكل قبيلة ممن يعبد
٤١٦