ولما كان لا يرضى إلا بأكمل الأولاد الأبناء، لكنه لم يرد ذلك فلم يكن، فهذا أقصى ما يمكن أن يجوز خلقاً شريفاً ويسميه ولداً إشارة إلى شدة إكرامه له وتشريفه إياه، أو يقربه غاية التقريب كما فعل بالملائكة وعيسى عليهم السلام، فكان ذلك سبباً لغلطكم فيهم حتى دعيتم أنهم أولاد ثم زعمتم أنهم بنات، فكنتم كاذبين من جهتين، هذا غاية الإمكان، وأما أنه يجوز عليه التوليد فلا، بل هو مما يحيله العقل، لأن ذلك لا يكون إلا لمحتاج، والإله لا يتصور في عقل أن يكون محتاجاً أصلاً، قال ابن برجان ما معناه : كان معهود الولادة لا يتصور على وجهين، فولد منسوب إلى والده بنوة وولادة روحماً، فهذا ليس له في الوجود العلي وجود، ولا في الأمكان تمكن، ولا في الفعل مساغ بوجه من الوجوه، وولد بمعنى التنبي والاتخاذ، وقد كانت العرب وغيرها من الأمم يفعلونه حتى نسخة القرآن، فلا يبعد أن تكون هذه العبارة كانت جائزة في الكتب قبلنا، فلما أعضل بهم الداء وألحدوا في ذلك عن سواء القصد الذي هو الاصطفاء إلى بنوة الولادة أضلهم الله وأعمى أبصارهم وسد السبيل عن العبادة عن ذلك، وكشف معنى الاصطفاء، وأظهر معنى الولاية، ونسخ ذلك بهذا، لأن هذا لا يداخله لبس، وذلك كله لبيان كمال هذه الأمة وعلوها في كل أمر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٨
ولما كانت نسبة الولد إليه كنسبة الشريك أو أشنع، وانتفى الأمران بما تقدم من الدليل باالحكم باعترافهم بأن حكمه سبحانه نافذ في كل شيء لشهادة الوجود، ولقيام الأدلة على عدم الحاجة إلى شيء أصلاً فضلاً عن الولد، نزه نفسه بما يليق بجلاله من التنزيه في هذا المقام، فقال :﴿سبحانه﴾ أي له التنزيه التام عن كل نقيصة، ثم أقام الدليل على هذا التنزيه المقتضي لتفرده فقال :﴿هو﴾ أي الفاعل لهذا الفعال، والقائل لهذه الأقوال، ظاهراً وباطناً ﴿الله﴾ أي الجامع لجميع صفات الكمال، ثم ذكر من
٤١٩


الصفحة التالية
Icon