ولما كانت الظلمة سابقة على الضياء، وكان الليل إنما هو ظلمة يسبقها ضياء بطلوع الشمس، رتب سبحانه هذا الترتيب على حسب الإيجاد، ولذلك قدم آية النهار فقال معبراً بالماضي بخلقه الآيتين مسخرتين على منهاج معلوم لكل منها لا يتعداه، وحد محدود لا يتخطاه ﴿وسخر﴾ أي ذلل وأكره وقهر وكلف لما يريد من غير نفع للمسخر ﴿الشمس﴾ أي التي محت ما كان من الظلام فأوجبت اسم النهار ﴿والقمر﴾ أي آية الليل.
ولما أخبر بقهرهما، بين ما صرفهما فيه، فقال بياناً لهذا التسخير :﴿كل﴾ أي منهما ﴿يجري﴾ أي بقضائنا الذي لا مرد له، وهذا آية لاختلاف أحوال العبد لأن خلقه جامع، فيختلف في القبض والبسط والجمع والفرق والأخذ والرد والصحو
٤٢٠
والسكر، وفي نجوم العقل، واقمار العلم، وشموس المعرفة، ونهار التوحيد، وليل الشك والجحد، ونهار الوصل وليالي الهجر والفراق، وكيفية اختلافها وزيادتها ونقصانها - قاله القشيري.
ولما كان مقصود السورة العزة التي محطها الغلبة، وكان السياق للقهر، وكان القضاء لعلة لا يتخلف عنها المعلول أدل على القهر من ذكر الغاية مجردة عن العلة قال :﴿لأجل مسمى﴾ أي لمنتهى الدور ومنقطع الحركة.
ولما ثبت بهذا قهره، قال منادياً رشقاً في قلوب المنكرين :﴿ألا هو﴾ أي وحده ﴿العزيز﴾ ولما كان ربما قال متعنت : فما له لا يأخذ من يخالفه ؟ وكانت صفة القهر والعزة ربما أقنطت العصاة فأخرتهم عن الإقبال، قال مبيناً لسبب التأخير ومستعطفاً :﴿الغفار*﴾ أي الذي له صفة الستر على الذنوب متكررة فيمحو ذنوب من يشاء عيناً، وأثراً بمغفرته ويأخذ من يشاء بعزته.


الصفحة التالية
Icon