ولما أرشدت " أم " قطعاً في قراءة من شدد إدغاماً لإحدى الميمين في الأخرى أن التقدير شرحاً لأحوال المؤمنين بعد أحوال المشركين : أهذا - الذي يدعو الله مرة، وغيره ممن يجعله له نداً اخرى - أسد طريقة وأقوم قيلاً :﴿أمّن هو﴾ والتقدير في قراءة نافع وابن كثير وحمزة بالتخفيف : أمن هو بهذه الصفة خير أم ذلك الكافر الناسي لمن أحسن إليه، ويرجح التقدير بالاستفهام دون النداء إنكار التسوية بين العالم الذي حداه علمه
٤٢٦
على القنوت والذي ى يعلم حقيقة أو مجازاً لعدم الانتفاع بعلمه ﴿قانت﴾ أي مخلص في عبادته الله تعالى دائماً ﴿آناء الّيل﴾ أي جميع ساعاته.
ولما كان المقام للإخلاص، وكان الإخلاص أقرب مقرب إلى الله لأنه التجرد عن جميع الأغيار، وكان السجود أليق الأشياء بهذا الحال، ولذلك كان أقرب مقرب للعبد من ربه، لأنه خاص بالله تعالى، قال :﴿وقائماً﴾ أي وقاعداً، وعبر بالاسم تنبيهاً على دوام إخلاصه في حال سجوده وقيامه، والآية من الاحتباك : ذكر السجود دليلاً على الركوع والقيام دليلاً على القعود، والسر في ذكر ما ذكر وترك ما ترك أن السجود يدل على العبادة، وقرن القيام به دال على أنه قيام منه فهو عبادة، وذلك مع الإيذان بانهما أعظم الأركان، فهو ندب إلى تطويلهما على الركنين للعبادة، لأنه لا يمكن عادة أن يكون لغيرهم، وأما السجود فيطرقه احتمال السقوط والقيام والقعود مما جرت به العوائد، فلما ضم إليها الركوع تمخضاً للخضوع بين يدي الملك العليم العزيز الرحيم.
ولما كان الإنسان محل الفتور والغفلة والنسيان، وكان ذلك في محل الغفران، وكان لا يمكن صلاحه إلا بالخوف من الملك الديان، قال معللاً أو مستأنفاً جواباً لمن كأنه يقول : ما له يتعب نفسه هذا التعب ويكدها هذا الكد :﴿يحذر الآخرة﴾ أي عذاب الله فيها، فهو دائم التجدد لذلك كلما غفل عنه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٣


الصفحة التالية
Icon