ولما ثبت أن القانت خير، وكان المخالف له كثيراً، وعلى أعظم حامل على القنوت التقوى، وكانت كثرة المخالف أعظم مزلزل، وكان الإنسان - لما له من النقصان - أحوج شيء إلى التثبيت، وكان التثبيت من المجانس، والتأنيس من المشاكل أسكن للقلب وأشرح للصدر، أمر أكمل الخلق وأحسنهم ملاطفة بتثبيتهم فقال :﴿قل﴾ ولما كان الثبات لا يرسخ مع كثرة المخالف، وتوالي الزالزل والمتالف، إلا إذ كان عن الملك، جعل ذلك عنه سبحانه ليجتمع عليه الخالق والأقرب إليه من الخلائق، فقال :﴿يا عباد﴾ دون أن يقول : يا عباد الله، مثلاً تذكيراً لهم تسكيناً لقلوبهم بما علم من أن التقدير.
٤٢٨
قال الله، وتشريفاً لهم بالإضافة إليه بالضمير الدال على اللطف وشدة الخصوصية، وإعلاماً لهم بأنه حاضر لا يغيب عنهم بوجه :﴿الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذه الحقيقة ولو على أدنى حالاتها.
ولما كان الإحسان ربما جرأ على المحسن، أشار سبحانه إلى سداد قزل العارفين " اجلس على البساط وإياك والانبساط " ونبه بلفت القول على مظهر التكلم إلى الوصف بما يدل على أن العاقل من أوجب له الإحسان إجلالاً وإكباراً، وأثمر له العطف والتقريب ذلاًّ في نفسه وصغاراً، وخوفاً وانسكاراً، مما أقله قطع الإحسان فقال :﴿اتقوا ربكم﴾ أي اجعلوا بينكم وبين غضب المحسن إليكم وقاية بأن تترقوا في درجات طاعته مخلصين له كما خلقكم لكم لا لغرض له ليرسخ إيمانكم ويقوي إحسانكم، وهذا أدل دليل على أن الإيمان يكون مع عدم التقوى.


الصفحة التالية
Icon