الاستفهام الإنكاري قطعاً : لا سواء، بل مثل الرجل السالم في غاية الحسن فكذا ممثوله وهو القانت المخلص، ومثل الرجل الذي وقع فيه التشاكس في غاية القبح فكذا مثموله وهو الداعي للأنداد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤٣
ولما علم بهذا المثل المضروب للرجلين سفول المشترك وهو الداعي للأنداد، وعلو السالم وهو القانت، ظهر بذلك بلا ريب حقارة المتشاركين وجلالة المتفرد وهو الله، فأنتج قطعاً قوله :﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿لله﴾ الذي لا مكافئ له، يعلم ذلك كل أحد لما له من الظهور لما عليه من الدلائل، فلا يصح أن يكون له شريك ﴿بل أكثرهم﴾ أي الناس ﴿لا يعلمون*﴾ لأنهم يعملون لما لا يليق بهذا العلم فيشركون به إما جلياً وإما خفياً، ويجوز أن يقال : له الكمال كله، فليس الملتفتون إلى غيره أدنى التفات علماء، بل لا علم لهم أصلاً، وهو المشركون شركاً جلياً، وأما أصحاب الشرك الخفي فهم، وإن كان لهم علم - فليس بكامل.
ولما كان السالم مثلاً له ﷺ ولأتباعه، والآخر للمخالفين، وكان سبحانه قد أثبت جهلهم، وكان الجاهل ذا حمية وإباء لما يدعى إليه من الحق وعصبيته :
والجاهلون لأهل العلم اعداء
فكان لذلك التفكير في أمرهم وما يؤدي إليه من التقاعد من الأتباع والتصويب بالأذى ولا سيما وهو أكثر من أهل العلم مؤدياً إلى الأسف وشديد القلق فكان موضع أن يقال : فما يعمل ؟ وكان لا ينبغي في الحقيقة أن يقلق إلا من ظن دوام النكد، قال تعالى مسلياً ومعزساً وموسياً في سياق التأكيد، تنبيهاً على أن من قلق كان حاله مقتضياً لإنكار انقطاع التأكيد :﴿إنك﴾ فخصه ﷺ لأن الخطاب إذا كان للرأس كان أصدع لأتباعه، فكل موضع كان للأتباع وخص فيه ﷺ بالخطاب دونهم فهم المخاطبون في الحقيقة على وجه أبلغ.