عليه الحق يحل بالكسر أي وجب، والدين : صار حالاً بحضور أجله ﴿عذاب مقيم*﴾ لإقامته على حالته وجموده على ضلالته، ومن يؤتيه الله انتصاراً يعليه وينقله إلى نعيم عظيم، لانتقاله بارتقائه في مدارج الكمال، بأوامر ذي الجلال والجمال، ولقد علموا ذلك في قصة المستهزئين ثم في وقعة بدر فإن من اهلكه الله منهم جعل أهلاكه أول عذابه ونقله به إلى عذاب البرزخ ثم عذاب النار، فلا انفكاك له من العذاب، ولا رجاء لحسن المآب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٠
ولما تجلت عرائس هذه المعاني آخذة بالألباب، ولمعت سيوف تلك المباني من المثاني قاطعة الرقاب، وختمها بما ختم من صادع الإرهاب، أنتجت ولا بد قوله معللاً لإيتان ما توعدهم به مؤكداً لما لهم من الإنكار لمضمون هذا الإخبار :﴿إنا أنزلنا﴾ أي بما لنا من باهر العظمة ونافذ الكلمة.
ولما كان توسط بعد أن أثبت وساطته أول السورة فقال مقروناً بالأمر بالعبادة إشارة إلى بداية الحال، فلما حصل التمكن فصار الكتاب خلقاً له ﷺ وصار ظهوره فيه هادياً لغيره، نبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليك﴾ أي خاصة لا على غيرك من أهل هذا الزمان، لأنك عندنا الخالص لنا دون أهل القريتين ودون أهل الأرض كلهم، لم يكن لشيء دوننا فيك حظ ﴿الكتاب﴾ الجامع لكل خير لكونه في غاية الكمال بما دل عليه " ال " ﴿الناس﴾ عامة لأن رسالتك عامة ﴿بالحق﴾ مصاحباً له، لا يقدر الخلق على أن يزيحوا معنى من معانيه عن قصده، ولا لفظاً من ألفاظه عن سبيله وحده، بل هو معجز في معانيه - حاضرة كانت أو غائبه - ونظومه، وألفاظه وأسماء وآياته وجميع رسومه، فلا بد من إيتان ما فيه من وعد ووعيد.