ولما كان التقديم يدل على الاختصاص، وكانوا لم يدعوه للتخصيص، بل للكف المقتضي للشرك، بين أنه تخصيص من حيث إن الإله غني عن كل شيء فهو لا يقبل عملاً فيه شرك، ومتى حصل أدنى شرك كان في ذلك العمل كله للذي أشرك، فكان التقدير بياناً لسبب أمره بأن يقول لهم ما تقدم منكراً عليهم : قل كذا، فلقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك وجوب التوحيد، فعطف عليه قوله مؤكداً لأجل ما استقر في النفوس من أن من عمل لأحد شيئاً قبل سواه كان على وجه الشركة أولاً :﴿ولقد﴾ ولما كان الموحي معلوماً له ﷺ، بني للمفعول قوله :﴿أوحي إليك﴾ ولما كان التعميم أدعى إلى التقبل قال :﴿وإلى الذين﴾ ولما كان الإرسال إنما هو في بعض الزمان لبعض الناس قال :﴿من قبلك﴾ ولما كان الحكم على قوم ربما كان حكماً على المجموع مع قيد الجمع خص بياناً لأنه مع كونه حكماً على المجموع حكم على كل فرد، ولأن خطاب الرئيس خطاب لأتباعه لأنه مقتداهم.
ولما كان الموحى إليهم أنه من أشرك حبط عمله سواء كان هو أو غيره، صح قوله بالإفراد موضع نحو أن الإشراك محبط للعمل وقائم مقام الفاعل، وعدل عنه إلى ما ذكر لأنه أعظم في النهي وأقعد في الزجر لمن يتأهل له من الأمة، وأكد لأن المشركين ينكرون معناه غاية الإنكار :﴿لئن﴾ أي أوحى إلى كل منكم هذا اللفظ وهو وعزتي لئن ﴿أشركت﴾ أي شيئاً من الأشياء في شيء من عملك بالله وهو من فرض المحال، ذكره هكذا ليكون أروع للأتباع، والفعل بعد أن الشرطية للاستقبال، فعدل هنا عن التعبير بالمضارع للمطابقة بين اللفظ والمعنى لأن الآية سبقت للتعريض بالكفار فكان التعبير بالماضي أنسب ليدل بلفظه على أن من وقع منه شرك فقد خسر، وبمعناه على أن الذي يقنع منه ذلك فهو كذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٦