ولما تقر الترهيب أجاب الشرط والقسم بقوله :﴿ليحبطن﴾ أي ليفسدن فيبطلن عملك فلا يبقى له أثراً ما من جهة القادر فلأنه أشرك به فيه وهو غني لا يقبل إلا الخالص، لأنه لا حاجة إلى شيء، وأما من جهة غيره فلأنه لا يقدر على شيء.
ولما كان السياق للتهديد، وكانت العبادة شاملة لمت تقدم على الشرك من الأعمال وما تأخر عنه، لم يقيده بالاتصال بالموت اكتفاء بتقييده في آية البقرة وقال :﴿ولتكونن﴾ أي لأجل حبوطه ﴿من الخاسرين*﴾ فإنه من ذهب جميع عمله لا شك في خسارته،
٤٦٨
والخطاب للرؤساء على هذا النحو - وإن كان المراد به في الحقيقة أتباعهم - أزجر للأتباع، وأهز للقلوب منهم والأسماع.
ولما كان التقدير قطعاً : فلا تشرك، بنى عليه قوله :﴿بل الله﴾ أي المتصف بجميع صفات الكمال وحده بسبب هذا النهي العظيم والتهديد الفظيع مهما وقعت منك عبادة ما ﴿فاعبد﴾ أي مخلصاً له العبادة، فحذف الشرط، عوض عنه بتقديم المفعول.
ولما كانت عبادته لا يمكن أن تقع إلا شكراً لما له من عموم النعم سابقاً ولاحقاً، وشكر المنعم واجب، نبه على ذلك قوله :﴿وكن من الشاكرين*﴾ أي العريقين في هذا الوصف لأنه جعلك خير الخلائق.
ولما كان التقدير : فما أحسن هؤلاء ولا أجملوا حين دعوك للإشراك بالله، وما عبدوه حق عبادته إذ أشركوا به، عطف عليه قوله :﴿وما قدروا﴾ وأظهر الأسم الأعظم في أحسن مواطنه فقال :﴿الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿حق قدره﴾ أي ما عظموه كما يجب له فإنه لو استغرق الزمان في عبادته وخالص طاعته بحيث لم يخل شيء منه عنها لما كان ذلك حق قدره فكيف إذا خلا بعضها عنها فكيف إذا عدل به غيره.
ولما ذكر تعظيم كل شيء ينسب إليه، دل على باهر قدرته الذي هو لازم القبض والطي بما يكون من الحال في طي هذا الكون، فقال كناية عن العظمة بذلك :﴿والأرض﴾ أي والحال أنها، وقدمها لمباشرتهم لها ومعرفتهم بحقيقتها.


الصفحة التالية
Icon