ولما كان تعالى باطناً لا يحيط أحد به علماً، أشار إلى أنهم مع أنهم أهل الحضرة هم من وراء حجاب الكبر وأردية العظمة، لا فرق بينهم في ذلك وبين ما هو في الأرض السفلى بقوله :﴿ويؤمنون﴾ لأن الإيمان إنما يكون بالغيب.
ولما كانوا لقربهم أشد الخلق خوفاً لأنه على قدر القرب من تلك الحضرات يكون الخوف، فهم أشد خوفاً من أهل السماء السابعة، وأهل السماء السابعة أشد خوفاً من أهل السماء السادسة وهكذا، وكانوا قد علموا من تعظيم الله تعالى للنوع الإنساني ما لم يعلمه غيرهم لأمره سبحانه لهم بتعظيمه بما اختص به سبحانه من السجود، وكان من أقرب ما يقترب به إلى الملك التقرب إلى أهل وده، نبه سبحانه على ذلك كله بقوله :﴿ويستغفرون﴾ أي يطلبون محو الذنوب أعياناً وآثاراً.
ولما كان الاشتراك في الإيمان أشد من الاتحاد في النسب، قال دالاً على أن الاتصاف بذلك يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة وأبعثه على إمحاض الشفقة :﴿للذين آمنوا﴾ أي أوقعوا هذه الحقيقة لما بينهم من أخوة الإيمان ومجانسته وإن اختلف جنسهم في حقيقة التركيب وإن وقع منهم بعد ذلك خلل يحق عليهم الكلمة لولا العفو ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ ﴿ويعفو عن كثير﴾ " لن يدخل أحد الجنة بعمله ".
ولما استغفارهم بين عبارتهم عنه بقوله :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا بالإيمان وغيره.
ولما كان المراد بيان اتساع رحمته سبحانه وعلمه، وكان ذلك أمراً لا يحتمله العقول، عدل إلى أسلوب التمييز تنبيهاً على ذلك مع ما فيه من هز السامع وتشويقه بالإبهام إلى الإعلام فقال :﴿وسعت كل شيء﴾ ثم بين جهة التوسع بقوله تميزاً محولاً عن الفاعل :﴿رحمة﴾ أي رحمتك أي بإيجاده من العدم فما فوق ذلك ﴿وعلماً﴾ أي وأحاط بهم علمك، فمن أكرمته فعن علم بما جلبته عليه مما يقتضي إهانة أو إكراماً.


الصفحة التالية
Icon