ولما كان اجتراؤهم على العظائم فعل منكر للقدرة، قال مؤكداً لعملهم عمل من لا يخافه :﴿إنه يقوي﴾ لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء ﴿شديد العقاب*﴾.
ولما كان ذلك عجباً لأن البينات تمنع من الكفر، فكان تقدير لمن ينكر الإرسال على هذه الصفة : فلقد أرسلناهم كذلك، وكان موسى عليه السلام من أجل المرسلين آيات، عطف على ذلك تسلية ونذارة لمن أدبر، وإشارة لمن استبصر قوله :﴿ولقد﴾ ولفت القول إلى مظر العظمة كما في الآيات التي أظهرها بحضرة هذا الملك المتعاظم من الهول والعظم الذي تصاغرت به نفسه وتحاقرت عنده همته وانطمس حسه، فقال :﴿أرسلنا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿موسى بآياتنا﴾ أي الدالة على جلالنا ﴿وسلطان﴾
٥٠٤
أي أمر قاهر عظيم جداً، لا حيلة لهم في مدافعة شيء منه ﴿مبين*﴾ أي بين في نفسه مناد لكل من يمكن إطلاعه عليه أنه ظاهر جداً، وذلك الأمر هو الذي كان يمنع فرعون من الوصول ألى أذاه مع ما له من القوة والسلطان ﴿إلى فرعون﴾ أي ملك مصر.
ولما كان الأكابر أول من أعجب العجب أن يكذب الرسول من جاء لنصرته واستنفاذه من شدته قال :﴿وقارون﴾ أي قريب موسى عليه السلام ﴿فقالوا﴾ أي هؤلاء ومن تبعهم، أما من عدا قارون فأولاً وآخراً بالقوة والفعل، وأما قارون ففعله آخراً بين أنه مطبوع على الكفر وإن آمن أولاً، وإن هذا كان قوله وإن لم يقله بالفعل في ذلك الزمان فقد قاله في التيه، فدل ذلك على أنه لم يزل قائلاً به، لأنه لم يتب منه ﴿ساحر﴾ لعجزهم عن مقاهرته، ولم يقل، " سحار " لئلا يتوهم أحد أنه مبتدأ محذوف، ثم وصفوه بقولهم :﴿كذاب*﴾ لخوفهم من تصديق الناس له، فبعث أخصّ عباده به إلى أخسّ عباده عنده ليقيم الحجة عليه، وأمهله عندما قابل بالتكذيب وحلم عنه حتى أعذر إليه غاية الإعذار.


الصفحة التالية
Icon