ولما كان الحاصل ما مضى من حالهم في أمر موسى عليه السلام أنه جاءهم بالبينات فشكوا فيها، وختم بتحذيرهم من عذاب الدنيا والآخرة، عطف عليه شك آبائهم في مثل ذلك، فقال مبيناً أنهم مستحقون لما حذر منه العذاب ليشكروا نعمة الله في إمهاله إياهم ويحذروا نقمته إن تمادوا وأكد لأجل إنكارهم أن يكونوا أتو ببينة، وافتتح بحرف التوقع لأن حالهم اقتضت توقع ذلك ودعت إليه :﴿ولقد جاءكم﴾ أي جاء آباءكم يا معشر القبط، ولكنه عبر بذلك دلالة على أنهم على مذهب الآباء كما جرت به العادة من التقليد، ومن أنهم على طبائعهم لا سيما إن كانوا لم يفارقوا مساكنهم :﴿يوسف﴾ أي نبي الله ابن نبي الله يعقوب ابن نبي الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ولما لم يكن مجيئه مستغرقاً لما تقدم موسى عليه السلام من الزمان أدخل الجار فقال :﴿من قبل﴾ أي قبل زمن موسى عليه السلام :﴿بالبينات﴾ أي الآيات الظاهرات ولا سيما في أمر يوم التناد ﴿فما زلتم﴾ بكسر الزاي من زال يزال أي ما برحتم أنتم تبعاً لآبائكم ﴿في شك﴾ أي محيط بكم لم تصلوا إلى رتبة الظن ﴿مما جاءكم به﴾ من التوحيد وما يتبعه، ودل على تمادي شكهم بقوله :﴿حتى إذا هلك﴾ وكأنه عبر بالهلاك إيهاماً لهم أنه غير معظم له، وأنه إنما يقول ما يشعر بالتعظيم لأجل محض النصيحة والنظر في العاقبة ﴿قلتم﴾ أي من عند أنفسكم بغير دليل كراهة لما جاء به وتضجرا منه جهلاً بالله تعالى :﴿لن يبعث الله﴾ أي الذي له صفات الكمال.
٥١٢
ولما كان مرادهم استغراق النفي حتى لا يقع البعث في زمن من الأزمان وإن قل، أدخل الجار فقال :﴿من بعده﴾ أي يوسف عليه السلام ﴿رسولا﴾ وهذا ليس إقراراً منهم برسالته، بل هو ضم منهم إلى الشك في رسالته التكذيب برسالة من بعده، والحجر على الملك الأعظم في عباده وبلاده والإخبار عنه بما ينافي كماله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥١٠


الصفحة التالية
Icon