ولما كان كأنه قيل : هذا ضلال عظيم هل ضر أحد مثله ؟ أجيب بقوله :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا الضلال العظيم الشأن ﴿يضل﴾ وأبرز الاسم ولم يضمره لئلا يخض الإضلال بالحيثية الماضية، وجعله الجلالة تعظيماً للأمر لصلاحية الحال لذلك وكذا ما يأتي بعده ﴿الله﴾ أي بما له من صفات القهر ﴿من هو مسرف﴾ أي متعال في الأمور خارج عن الحدود طالب للارتفاع عن طور البشر.
ولما كان السياق للشك في الرسالة والقول بالظن الذي يلزم منه اتهام القادر سبحانه بالعجز أو مجانبة الحكمة قال :﴿مرتاب*﴾ أي يشك فيما لا يقبل الشك ويتهم غيره بما لا حظّ للتهمة فيه، أي بدينه التذبذب في الأمور الدينية، فلا يكاد يحقق أمراً من الأمور، ولا إسراف ولا ارتياب أعظم من حال المشرك فإنه منع الحق أهله وبذله لمن لا يستحقه بوجه، وهذه الآية دليل على أن القبط طول الدهر على ما نشاهده من أنه لا ثقة بدخولهم في الدين الحق، ولا ثبات لهم في الأعمال الصالحة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥١٠
ولما ظهر ظهوراً لا يحتمل شكاً بما أتى به موسى عليه السلام من البينات أن شكهم في رسالة وجزمهم في الحكم بنفي رسالة الآتي أعظم ضلال وأنه من الجدال الذي لا معنى له إلا فتل المحق عما هو عليه من الحق إلى ما عليه المجادل من الضلال، وصل بذلك قوله على سبيل الاستنتاج ذماً لهم بعبارة تعم غيرهم :﴿الذين﴾ أي جدال من ﴿يجادلون﴾ أي يقاتلون ويخاصمون خصاماً شديداً ﴿في آيات الله﴾ أي المحيطة بأوصاف الكمال لا سيما الآيات الدالة على يوم التناد، فإنها أظهر الآيات على وجوده سبحانه وعلى ما هو عليه من الصفات والأفعال وما يجوز عليه أو يستحيل.
٥١٣


الصفحة التالية
Icon