ولما ذكر الطبع المذكور، دل عليه بما ذكر من قول فرعون وفعله عطفاً على ما مضى من قوله وقول المؤمن، فإنه قصد ما لا مطمع في نيله تهياً وحماقة تكبراً وتجبراً لكثافة قلبه وفساد لبه، فصار بذلك التلبيس على قومه للمدافعة عن اتباع موسى عليه السلام إلى وقت ما فقد نادى عليهم بالجهل، والإغراق في قلة الحزم والشهامة والعقل، فقال تعال :﴿وقال فرعون﴾ أي بعد قول المؤمن هذا، معرضاً عن جوابه لأنه لم يجد فيه مطعناً :﴿يا هامان﴾ وهو وزيره ﴿ابنِ﴾ وعرفه بشدة اهتمامه به بالإضافة إليه في قوله :﴿لي صرحاً﴾ أي بناء ظاهراً يعلوه لكل أحد.
قال البغوي : لا يخفى على الناظر وإن بعد.
وأصله من التصريح وهو الإظهار، وتعليله بالترجي الذي لا يكون إلا في الممكن دليل على أنه كان يلبس على قومه وهو يعرف الحق، فإن عاقلاً لا يعد ما رامه في عداد الممكن العادي فقال :﴿لعلي أبلغ الأسباب*﴾ أي التي لا أسباب غيرها لعظمها.
٥١٤
ولما كان بلوغها أمراً عجيباً، أورده على نمط مشوق عليه ليعطيه السامع حقه من الاهتمام تفخيماً لشأنها، ليتشوف السامع إلى بيانها، بقوله :﴿أسباب السماوات﴾ أي الأمور الموصلة إليها، وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه.
ولما ذكر هذا السبب، ذكر المسبب عنه فقال :﴿فاطًّلع﴾ أي فلعله يتسبب عن ذلك ويتعقبه أني أتكلف الطلوع ﴿إلى إله موسى﴾ فيكون كما ترى عطفاً على ﴿أبلغ﴾، ونصبه حفص عن عاصم على الجواب تنبيهاً على أن ما أبرزه الخبيث في عداد الممكن إنما هو تمني محال غير ممكن في العادة.
ولما كان من جملة إرادته بذلك مع إيقاف قومه إلى وقت ما عن المتابعة أن يخيلهم بأن يقول : طلعت فبحثت عما قال موسى فلم أقف له على صحة، قدم لهم قوله مبيناً لحاله إذ ذاك لما ظن من ميل قلوبهم إلى تصديق موسى عليه السلام :﴿وإني لأظنه﴾ أي موسى ﴿كاذباً﴾ فترك الكلام على احتمال أن يريد في الرسالة أو في الإلهية.


الصفحة التالية
Icon