ولما كان انتفاء العلم بالشيء من أهل العلم انتفاء ذلك الشيء في أصول الدين، كان ما دعوه إليه باطلاً، وكان ما دعاهم إليه هو الحق، فلذلك أنتج قطعاً قوله :﴿لا جرم﴾ وهي إن كانت بمعنى : لا ظن ولا اضطراب أصلاً - كما مضى في سورة هود عليه السلام فيها معنى العلة، أي فلأجل ذلك لا شك في ﴿إنما﴾ أي الذي ﴿تدعونني إليه﴾ من هذه الأنداد ﴿ليس له دعوة﴾ بوجه من الوجوه، فإنه لا يقوم عليها دليل بل ولا شبهة موهمة ﴿في الدنيا﴾ التي هي محل الأسباب، الظاهرة لأن شيئا منه ليس له واحد من الوصفين ﴿ولا في الآخرة﴾ لأن ما لا تعلم إلهيته كذلك يكون ﴿وإن﴾ أي ولا اضطراب في أن ﴿مردنا﴾ أي ردنا العظيم بالموت وموضع ردنا ووقته منتهٍ ﴿إلى الله﴾ أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال لما اقتضته عزته، فيجازي كل أحد بما يستحقه ﴿وأنَّ﴾ أي ولا شك في أن ﴿المسرفين﴾ أي المجاوزين للحدود العريقين في هذا الوصف ﴿هم﴾ أي خاصة لأجل حكم الله بذلك عليهم ﴿أصحاب النار*﴾ أي الذين يخلدون فيها لا يفارقونها كما يقتضيه معنى الصحبة لأن إسرافهم اقتضى إسراف ملازمتهم للنار التي طبعها الإسراف، وقد علم أن ربها لا يجزي بالسيئة إلا مثلها.
ولما تقرر أنه لا أمر لغير الله وأنه لا بد من المعاد، تسبب عنه بقوله :﴿فستذكرون﴾ أي قعطاً بوعد لا خلف فيه مع القرب ﴿ما أقول لكم﴾ حين لا ينفعكم الذكر في يوم الجمع الأعظم والزحام الذي يكون فيه القدم على القدم إذا رأيتم الأهوال والنكال والزلزال إن قبلتم نصحي وإن لم تقبلوه.


الصفحة التالية
Icon