ولما كانوا قد قالوا : محمد ليس برسول، والإله ليس بواحد، والبعث ليس بممكن، فدل على صحة الرسالة بنفي الريب عن الكتاب، ثم على الوحداينة بشمول القدرة وإحاطة العلم بإبداع الخلق على وجه هو نعمة لهم، وختم بالتعجيب من كفرهم، وكان استبعادهم للبعث - الذي هو الأصل الثالث - من أعظم كفرهم، قال معجباً منهم في إنكاره بعد التعجيب في قوله :﴿أم يقولون افتراه﴾، لافتاً عنهم الخطاب إيذاناً بالغضب من قولهم :﴿وقالوا﴾ منكرين لما ركز في الفطر الأُوَل، ونبهت عليه الرسل، فصار بحيث لا يكره عاقل ألم بشيء من الحكمة :﴿أإذا﴾ أي أنبعث إذا ﴿ضللنا﴾ أي ذهبنا وبطلنا وغبنا ﴿في الأرض﴾ بصيرورتنا تراباً مثل ترابها، لا يتميز بعضه من بعض : قال أبو حيان تبعاً للبغوي والزمخشري وابن جرير الطبري وغيرهم : وأصله من ضل الماء في اللبن - إذا ذهب.
ثم كرروا الاستفهام الإنكاري زيادة في الاستبعاد فقالوا :﴿إنا لفي خلق جديد﴾ هو محيط بنا ونحن مظروفون له.
ولما كان قولهم هذا يتضمن إنكارهم القدرة، وكانوا يقرون بما يازمهم منه الإقرار
٥٣
بالقدرة على البعث من خلق الخق والإنجاء من كل كرب ونحو ذلك، أشار إليه بقوله :﴿بل﴾ أي ليسوا بمنكرين لقدرته سبحانه، بل ﴿هم بلقاء ربهم﴾ المحسن بالإيجاد والإبقاء مسخراً لهم كل ما ينفعهم في الآخرة للحساب أحياء سويين كما كانوا في الدنيا، والإشارة بهذه الصفة إلى أنه لا يحسن بالمحسن أن ينغص إحسانه بترك القصاص من الظالم الكائن في القيامة ﴿كافرون*﴾ أي منكرون للبعث عناداً، ساترون لما في طباعهم من أدلته، لما غلب عليهم من الهوى القائد لهم إلى أفعال منعهم من الرجوع عنها الكبرُ عن قبول الحق والأنفة من الإقرار بما يلزم منه نقص العقل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٢


الصفحة التالية
Icon