سورة فصلت
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٤٤
سورة فصلت مكية - آياتها أربع وخمسون وتسمى حم السجدة مقصودها الإعلام بأن العلم إنما هو ما اختاره المحيط بكل شيء قدره وعلماً من علمه لعباده فشرعه، لهم، فجاءتهم به عنه رسله، وذلك العلم هو الحامل على الإيمان بالله والاستقامة على طاعته المقترن بهما - كما تقدم في الزمر في قوله ﴿هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ [آية : ٩] فتكون عاقبته الكشف الكلي حين يكون سبحانه سمع العالم الذي يسمع به، "بصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها" - إلى آخر الحديث القدسي الذي معناه أنه يوفقه سبحانه فلا يفعل إلا ما يرضيه، وعلى ذلك دل اسمها ﴿فصلت﴾ بالإشارة إلى ما في الآية المذكورة فيها هذه الكلمة من الكتاب المفصل لقوم يعلمون.
والسجدة بالإشارة إلى ما في آيتها من الطاعة له بالسجود الذي هو أقرب مقرب من الملك الديان، والتسبيح الذي هو المدخل الأول للإيمان ﴿بسم الله﴾ الذي لم يرض لإحاطته بأوصاف الكمال من جلال الكتاب إلا ما اقترن بجمال العمل ﴿الرحمن﴾ الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً ففصل الكتاب تفصيلاً وبينه غاية البيان ﴿الرحيم﴾ الذي خص العلماء العاملين بسماع الدعوة ونفوذ الكلمة ﴿حم*﴾ أي حكمة محمد التي أعجزت الخلائق.
٥٤٧
ولما ختمت غافر الكفرة جادلوا في آيات الله بالباطل، وفرحوا بما عندهم من علم ظاهر الحياة الدنيا، وأنهم عند البأس انسلخوا عنه وتبرؤوا منه ورجعوا إلى ما جاءت به الرسل فلم يقبل منهم، فعلم أن كل علم لم ينفع عند الشدة والبأس فليس بعلم، بل الجهل خير منه، وكان ذلك شاقاً على النبي ﷺ خوفاً من أن يكون آخر أمر أمته الهلاك، مع الإصرار على الكفر إلى مجيء البأس، وأن يكون أغلب أحواله ﷺ النذارة، افتتح سبحانه هذه السورة بأن هذا القرآن رحمة لمن كان له علم وله قوة توجب له القيام فيما ينفعه، وكرر الوصف بالرحمة في صفة العموم وصفة الخصوص إشارة إلى أن أكثر الأمة مرحوم، وأعلم أن الكتاب فصل تفصيلاً وبين تبييناً لا يضره جدال مجال، وكيد مماحك مماحل، وأنه مغن بعجز الخلق عنه عن اقتراح الآيات فقال مخبراً عن مبتدأ :﴿تنزيل﴾ أي بحسب التدريج عظيم ﴿من الرحمن﴾ أي الذي له الرحمة العامة للكافر والمؤمن بإنزال الكتب وإرسال الرسل ﴿الرحيم*﴾ أي الذي يخص رحمته بالمؤمنين بإلزامهم ما يرضيه عنهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٤٧
ولما تشوف السامع إلى بيان هذا التنزيل المفرق بالتدريج، بين أنه مع ذلك حاوٍ لكل خير فقال مبدلاً من تنزيل :﴿كتاب﴾ أي جامع قاطع غالب.


الصفحة التالية
Icon