ولما كان الجمع ربما أدى إلى اللبس قال :﴿فصلت﴾ أي تفصيل الجوهر ﴿آياته﴾ أي بينت بياناً شافياً في اللفظ والمعنى مع كونها مفصلة إلى أنواع من المعاني، وإلى مقاطع وغايات ترقى جلائل المعاني إلى أعلى النهايات، حال كونه ﴿قرآناً﴾ أي جامعاً مع التفصيل، وهو مع الجمع محفوظ بما تؤديه مادة " قرا " من معنى الإمساك، وهو مع جمع اللفظ وضبطه وحفظه وربطه منشور اللواء منتشر المعاني لا إلى حد، ولا نهاية وعد، بل كلما دقق النظر جل المفهوم، ولذلك قال تعالى :﴿عربياً﴾ لأن لسان العرب أوسع الألسن ساحة، وأعمقها عمقاً وأغمرها باحة، وأرفعها بناء وأفصحها لفظاً، وأبينها معنى وأجلها في النفوس وقعاً، قال الحرالي : وهو قرأن لجمعه، فرقان لتفصيله، ذكر لتنبيهه على ما في الفطر والجبلات، وجوده حكيم لإنبائه الاقتضاءات الحكمية، مجيد لإقامته قسطاس العدل، عربي لبيانه عم كل شيء، كما قال تعالى في سوره أحسن القصص، وتفصيل كل شيء مبين لمحوه الكفر بما أبان من إحاطة أمر الله، محفوظ لإحاطته حيث لم يختص فيقبل العدول عن سنن.
ولما كان لا يظهر إلا لمن له قابلية ذلك، وأدمن اللزوم ذلاً للأعتاب، والقرع خضوعاً وحباً للأبواب، قال معلقاً بـ " فصلت أو تنزيل " أو " الرحمن الرحيم " :﴿لقوم﴾ أي ناس فيهم قوة الإدراك لما يحاولونه ﴿يعملون*﴾ أي فيهم قابلية العلم وتجدد الفهم
٥٤٨


الصفحة التالية
Icon