الأقوات والمنافع لأحاطة العلم بأنه يخص كل أمر من الأمرين يومان، ونص على الأولين ليكون ذلك أدل على القدرة فيحسن موقع النعي عليهم بما فصل به الآيتين من اتخاذ الأنداد، وإنما كان أدل على القدرة، لأنه إيجاد ذوات محسوسة من العدم قائمة بأنفسها بخلاف البركة، وتقدير الأقوات فإنه أملا لا يقوم بنفسه، فلم يفرد يوميه بالذكر، بل جعلهما تابعين كما أن ما قدر فيهما تابع، ولم يفعل ذلك في أقل من لمح البصر مع تمام القدرة عليه، لأن هذا أدل على الاختيار وأدخل في الابتلاء والاختيار، ليضل به كثيراً ويهدي به كثيراً، فيكون أعظم لأجورهم لأنه أدل على تسليمهم، وجعل مدة خلقها ضعف مدة السماء مع كونها أصغر من السماء دلالة على أنها هي المقصودة بالذات لما فيها من الثقلين، فزادت بما فيها من كثرة المنافع وتباين أصناف الأعراض والجواهر لأن ذلك أدخل في المنة على سكانها، والاعتناء بشأنهم وشأنها، وزادت أيضاً بما فيها من الابتلاء بالتهيئة للمعاصي والمجاهدات والمعالجات التي يتنافس فيها الملأ الأعلى ويتخاصم - كل ذلك دلالة على أن المدة ما هي لأجل القدرة بل لأجل التنبيه على ما في المقدر من المقدور وعجائب الأمور، وليعلم أيضاً بخلق السماء التي هي أكبر جرماً وأتقن جسماً وأعظم زينة وأكثر منافع بما لا يقايس في أقل من مدة خلق الأرض أن خلقها في تلك المدة ليس للعجز عن إيجادها في أقل من اللمح، بل لحكم تعجز عن حملها العقول، ولعل تخصيص السماء بقصر المدة دون العكس لإجراء أمرها على ما نتعارفه من أن بناء السقف أخف من بناء البيت تنبيهاً على أنه بنى أمر دارنا هذه على الأسباب تعليماً للتأني وتدريباً على السكينة والبعد من العجلة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٥٣


الصفحة التالية
Icon