ولما كان التخويف بما تسهل مشاهدة مثله أوقع في النفس قال :﴿مثا صاعقة عاد وثمود*﴾ أي الذين تنظرون ديارهم وتستعظمون آثارهم، وعلل إيقاع ذلك بهم بقوله :﴿إذا﴾ ويجوز أن يكون ظرفاً لصاعقة وظرفيته لا تنافي عليته أي حين ﴿جاءتهم الرسل﴾ لأن الزمان الطويل يجوز نسبة ما وقع في جزء منه إليه، ولما كانت الرسل إنما أتت بالفعل في بعض الزمان أدخل الجار فقال :﴿من بين أيديهم﴾ أي من قبلهم لأن النذير الأول نذير لكل من أتى بعده بأنه إن واقع ما واقعه أتاه ما عذب به ﴿ومن خلفهم﴾ وهم من أتى إليهم لأنهم لم يكونوا يعلمون إيتانهم، فالخلف كناية عن الخفاء، والقدام عن الجلاء، ولا شك أن الإنسان لما انقاد له من قبله فسمعه منه أقبل مما رآه بعينه، لأن النفس لا تنقاد لما خالفها إلا بعد جدال وجهاد، فإذا تطاول الزمن وانقاد له الغير، سهل عليها الأمر، وخف عليها الخطب، وأيضاً الآتي إلى ناس إنما يأتيهم بعد وجودهم وبلوغهم حد التكيف، فهو بهذا آتٍ إليهم من ورائهم أي بعد وجودهم أو يكون ما بين الأيدي هو من جاءهم لأنهم علموا بمجيئه علم من ينظر من قدامه، وما خلفهم ما غاب عنهم ممن
٥٥٩
تقدمهم، فلم تنقل إليهم أخبارهم إلا على وجوه تحتمل الطعن، أو المعنى : أتاهم رسولهم الذي هو بإظهار المعجزة كجميع الرسل بالوعظ من كل جانب يخفى عليهم أو يتضح لهم وأعمل فيهم كل حيلة بكل حجة حتى لم يدع لهم شبهة، ثم بين أن مجيء الرسل ينفي عبادة غير الله وقصر العبادة عليه، فقال مظهراً مع العبادة الاسم الذي هو أولى بها :﴿أن﴾ أي بأن قولوا لهم ﴿لا تعبدوا إلا الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٥٩


الصفحة التالية
Icon