ولما كان هذا موضعاً لتشوف السامع إلى خبرهم عند ذلك إجابة بقولهم :﴿قالوا﴾ أي كل منهم :﴿لو شاء ربنا﴾ أي والذي ربانا أحسن تربية وجعلنا من خواصه بما حبانا به من النعم أن يرسل إلينا رسولا ﴿ملائكة﴾ فأرسلهم إلبينا بما يريده منا لكنه لم ينزل ملائكة فلم يشأ أن يرسل رسولاً، فتسبب عما قالوه من القياس الاستثنائي الذي استنتجوا فيه من نقيض تاليه نقيض مقدمه، لما جعلوا بين المقدم والتالي من الملازمة بزعمهم قولهم :﴿فإنا بما﴾ أي بسبب الذي ولما كانوا لم ينكروا مطلق رسالتهم، إنما أنكروا كونها من الله، بنوا للمجهول قولهم مغلباً تعالى في الترجمة عنهم للخطاب على الغيبة لأنه أدخل في بيان قلة أدبهم :﴿أرسلتم﴾ أي أيها الرسل ومن كان على مثل حالهم من البشر ﴿به﴾ لأن قياسنا قد دل على أنه تعالى لم يشأ الإرسال، فأنتم لستم بمرسل عنه لأنكم بشر لا ملائكة وقد كذبوا في قياسهم الذي لم يأخذوه عن عقل ولا نقل لأنه لا ملازمة بين مشيئة الإرسال إلى الناس كافة أو إلى أمة منهم وبين أن يكون المرسل إليهم كلهم ملائكة.
ولما جمعهم فيما اجتمعوا فيه حتى كأنهم تواصوا به، فصل ما اختلفوا فيه فقال مسبباً عما مضى من مقالهم :﴿فأما عاد﴾ أي قوم هود عليه الصلاة والسلام ﴿فاستكبروا﴾ أي طلبوا الكبر وأوجوه ﴿في الأرض﴾ أي كلها التي كانوا فيها بالفعل وبقيتها بالقوة، أو في الكل بالقعل لكونهم ملكوها كلها.
ولما كان الكبر قد يكون بالحق كما على من خالف أمر الله قال :﴿بغير الحق﴾ أي الأمر الذي يطابقه الواقع، وهو إنكار رسالة البشر، فإن الواقع إرسالهم ﴿وقالوا﴾ أي وضموا إلى استكبارهم على قبول ما جاءهم من الحق أن قالوا متعاظمين على أمر الله بما أتاهم الله من فضله :﴿من أشد منا قوة﴾ فنحن نقدر على دفع ما يأتي من العذاب الذي يهددنا به هود عليه الصلاة والسلام لأنهم كانوا أشد الناس قوى وأعظمهم أجساماً.


الصفحة التالية
Icon