ولما كان في مقام الترهيب، وكان التفصيل أهول قال :﴿سمعهم﴾ أفرده لتقارب الناس فيه ﴿وأبصارهم﴾ جمع لعظم التفاوت فيها ﴿وجلودهم بما﴾ وأثبت الكون بياناً لأنهم كانوا مطبوعين على ما أوجب لهم النار من الأوزار فقال :﴿كانوا يعملون*﴾ أي يجددون عمله مستمرين عليه، فكأن هذه الأعضاء تقول في ذلك الحين إقامة للحجة البالغة : أيها الأكوان والحاضرون من الإنس والملائكة والجان، اعلموا أن صاحبي كان يعمل بي كذا وكذا مع الإصرار، فاستحق بذلك النار، وغضب الجبار - ثم يقذف به.
ولما أخبر بهذا الذي يفتت الحجارة لو علقت ساعة ما، أخبر أنه لم يفدهم الرجوع عن طبعهم الجافي وبلادتهم الكثيفة، فقال عاطفاً على ما تقديره : فلم تفدهم هذه الشهادة خجلاً من الله ولا خضوعاً في أنفسهم ولا رجوعاً عن الجدال والعناد كما لم يفدهم ذلك مجرد علم الله فيهم :﴿وقالوا لجلودهم﴾ ودخل فيها ما صرح به من منافعها بها لفقد ما يدعو إلى التفصيل.
ولما فعلت فعل العقلاء خاطبوها مخاطبتهم فقالوا :﴿لم شهدتم علينا﴾.
ولما كان هذا محل عجب منهم، وكان متضمناً لجهلهم بظنهم أنه كان لها قدرة على السكوت، وكان سؤالهم عن العلة ليس على حقيقته وإنما المراد به اللوم، أجيب من تشوف إلى الجواب بقوله معبراً لنطقها بصيغة ما يعقل :﴿قالوا﴾ معتذرين :﴿أنطقنا﴾ قهراً ﴿الله﴾ الذي له مجامع العز على وجه لم نقدر على التخلف عنه.
ولما كان حال الكفار دائماً دائراً بين غباوة وعناد، أقاموا على ذلك دليلن شهوديين فقالوا :﴿الذي أنطق كل شيء﴾ أي فعلاً أو قوة أو حالاً ومقالاً.


الصفحة التالية
Icon