ولما كانت الأشياء كلها متساوية الأقدام في الإنطاق والإخراس وغيرهما من كل ما يمكن بالنسبة إلى قدرته سبحانه، نبهوهم على ذلك بقولهم :﴿وهو خلقكم أول مرة﴾ والعلم القطعي حاصل عندكم بأنكم كنتم عدماً ثم نطفاً لا تقبل النطق في مجاري العادات بوجه، ثم طوركم في أدوار الأطوار إلى أن أوصلكم إلى حيز الإدراك، فقسركم على النطق بحيث لو أردتم سلبه عن أنفسكم ما قدرتم.
ولما كان الخلق شيئاً واحداً فعبر عنه بالماضي وكان الرجوع تارة بالحس وتارة بالمعنى وكان الذي بالمعنى كثير التعدد بكثرة التجدد قال :﴿وإليه﴾ أي إلى غيره ﴿ترجعون*﴾ أي في كل حين بقسركم بأيسر أمر على كل ما يريد من أول ما خلقتم إلى ما لا نهاية له، فلو كان لكم نوع علم لكفاكم ذلك واعظاً في الدنيا تعلمون به أنكم في غاية العجز، وأن له العظمة والكبر والقدرة والقهر، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال : كنا عند
٥٦٤
رسول الله ﷺ فقال :"هل تدرون ممّ أضحك" ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال "من مخاطبة العبد ربه، يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى، اقل : فيقول : فإني لا أجيز إلا شاهداً مني، قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال : فيختم على فيه فيقال لأركانه : انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنا أناضل ".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٦٢
ولما اعتذروا بما إخبارهم به في هذه الدنيا وعظ وتنبيه، وفي الآخرة توبيخ وتنديم، قالوا مكريين للوعظ محذرين من جميع الكون :﴿وما كنتم﴾ أي بما هو لكم كالجبلة ﴿تستترون﴾ أي تتكفلون الستر عند المعاصي وأنتم تتوهمون، وهو مراد قتادة بقوله ؛ تظنون.
﴿أن يشهد عليكم﴾ بتلك المعاصي.


الصفحة التالية
Icon